خطاب الكراهية؛ أشكاله واختبار كامدن

خطاب الكراهية؛ أشكاله واختبار كامدن

لا يولد إنسان ومعه شعور الكراهية. الكراهية هي شعور يتولد مع الوقت ونتيجة عوامل كثيرة تستبدل المحبة الفطرية بالكراهية نتيجة خطابات من جهات متعددة تسهم في بناء الكراهية في النفوس وتصبح سلاحا للتدمير الذاتي لأي مجتمع عبر تفكيك بناءه وانقسامه. الكراهية تصنعها عدة عوامل تبدأ من التربية الأسرية، تليها المدرسة والجامعه. وقد يتسبب فيها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي التي أصبحت المنبر الأول الأن لخطابات الكراهية، فهي وسيلة إعلام -تبدو على أنها- مجانية للجميع. هذا بالإضافة إلى عدم تفعيل الأنظمة كما يجب والتي تعاقب على بث خطاب الكراهية في كثير من دول منطقتنا العربية في الوقت الذي ينتشر فيه خطاب الكراهية متزامنا مع غياب لغة الحوار وإحترام الرأي الاخر وإنكار التعددية اوعدم تفعيلها وإنعدام التسامح.

أصبح هذا الخطاب ظاهرة مجتمعية مؤرقة، هناك من يمارس الجدل بصفته حوارا، في حين يسعى البعض بفرض رأيه بغض النظر عن صحته من عدمه بدلا من أن يكون الهدف من الحوار الوصول إلى أرضية مشتركة من التفاهم مع كافة الأطراف المتحاورة. ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 2، حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.

فضلا عما تقدم، فلن يكون أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. عاود الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 3 ضمانة الحق لكل فرد في الحياة والحرية وسلامة شخصه. سنقوم بعرض ما جاء من تعريفات للخطاب الكراهية، اشكاله واختبار كادمن. ليس من السهل أن نضع تعريفا جامعا لخطاب الكراهية نظرا لتعدد الجهات المسؤولة عن تصديره إلى المجتمع. لا يوجد تعريف موحد مقبول عالميا لخطابات الكراهية يضع ضوابط لماهيتها ويتم اعتماده عالميا، ولكن يمكننا أن نعرف خطاب الكراهية من مجمل ما تم التعارف عليه وفي هذا المقال  سأذكر ابزر تعريفات خطاب الكراهية:

  •  الكراهية لغة: في اللغة الكراهية هي القبُح وإثارة الاشمئزاز والبُغض حول شيء ما.
  • خطاب الكراهية اصطلاحا: كل كلامٍ يثير مشاعر الكره نحو مكوّنٍ أو أكثر من مكوّنات المجتمع، وينادي ضمناً بإقصاء أفراده بالطرد أو الإفناء أو بتقليص الحقوق، ومعاملتهم كمواطنين من درجة أقل. كما يحوي هذا الخطاب، ضمناً أو علناً، شوفينية استعلائية لمكوّن أكثر عدداً أو أقدم تاريخاً في أرض البلد أو أغنى أو أي صفةٍ يرى أفرادُ هذا المكوّن أنها تخولهم للتميّز عن غيرهم.
  • خطاب الكراهية قانونيا: كل تعبير عن الكراهية تجاه شخص أو جنس أو مجتمع أو دولة بسبب الإختلاف في الدين أو العرق أو النوع أو الشكل، وهو التعريف الذي يتناسق مع ما جاء بالعهد الدّوليّ الخاص بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة الصادر عام 1966م.
  • خطاب الكراهية في المواثيق الدولية: جميع أشكال التعبير التي تنشر أو تحرض أو تشجع أو تبرر الكراهية العرقية أو كره الأجانب أو غير ذلك من أشكال الكراهية المبنية على التعصب، بما فيها التعصب المعبر عنه بالقومية والاعتداء بالانتماء الإثني والتمييز ضد الأقليات والمهاجرين والسكان من أصل مهاجر.
  • مبادئ كامدن: منظومة من المبادئ العالمية حول حرية التعبير والمساواة، والتي أنجزها خبراء من مختلف الثقافات، وتبنتها أهم المنظمات المعنية بحرية التعبير. منها، أنه يجب على جميع الدول تبني تشريع يمنع أي دعوة إلى الكراهية على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو ثقافي، مما يشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف.
  • تعريف مبادئ كامدن للكراهية: حالة ذهنية تتسم بانفعالات حادة وغير عقلانية من العداء والمقت والاحتقار تجاه المجموعة أو الشخص المحرض ضده.

تتعدد اشكال خطاب الكراهية ومع التقدم الذي يشهده العالم تم ظهور اشكال جديدة وخاصة بعد الثورة التكنولوجية ومن اشكال خطاب الكراهية:

  1. الرسم: الرسومات بإشكالها سواء كانت تعبيرية كاركتيرية التي تحمل تحريض على الكره والتمييز العنصري باشكاله الذي يتضمن في طياته خطاب كراهية.
  2. الصور: الصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى المتداولة بين الأشخاص والتي تحرض على الكرة والعنف والتمييز.
  3. الكتابة: الكتابة بإشكالها سواء كانت مقاليه أو شعرية أو تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر التي تحرض على الكره والتمييز العنصري.
  4. الافعال: عن طريق أعمال الشغب أو الإحتجاجات الغير سلمية أو الاعتداء على الأشخاص نابع من كره و تمييز عنصري.

من أبرز الحلول والتوصيات للحد من ظاهرة خطاب الكراهية ما جاء في خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف والنتائج المنبثقة عن حلقات عمل الخبراء الاقليمية الربع التي نظمتها المفو ضية السامية لحقوق الإنسان في عام 2011 واعتمدها الخبراء في الرباط، المغرب في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2012:

إذا كان اتخاذ رّد الفعل القانوني أمرا هاما، التشريع ليس سوى جزء من جملة أدوات أوسع للرد على تحديات خطاب الكراهية. لذا ينبغي استكمال أي تشريع في هذا الشأن بمبادرات نابعة من مختلف قطاعات المجتمع لتحقيق مجموعة متعددة من السياسات العامة والممارسات والتدابير لقطاعات المجتمع التي تعزز الوعي الاجتماعي والتسامح وتفهم التغيير والنقاش العام. يكون ذلك بقصد إيجاد ثقافة السلام والتسامح والإحترام المتبادل بين الافراد والموظفين العموميين وأعضاء السلطات القضائية وتعزيز تلك الثقافة. بالاضافة إلى رفع مستويات الوعي الاخلاقي والمسؤولية الاجتماعية في أوساط المؤسسات العالمية والقيادات الدينية والإجتماعية. ثمة مسؤولية جماعية على الدول ووسائل الاعلام والمجتمعات هي تأمين التحدث علنا ضد  أعمال التحريض على الكراهية والتصدي لها بالتدابير الملائمة وفقا القانون الدولي لحقوق الإنسان.

من وجهة نظري انتشرت خطابات الكراهية دون سقف في الفضاء الرقمي خاصة ولا يعي الكثيرون متى يعتبر سلوكهم داعيا للكراهية ومتى يعتبر في نطاق حرية التعبير عن أرائهم. نحتاج للمزيد من الوعي كي لا نصل إلى يوم تصادر فيه حريات التعبير باسم الحد من نشر الكراهية، ولا أن نصل إلى يوم نجد فيه خطاب الكراهية ينشر سمومه في كل مكان باسم حرية التعبير. هناك لن يفيد الوعي المتأخر ولا الوعيد ولتعامل مع هذه الظاهرة وخلق توازن بين المطالبات الحقوقية والمخاطر فإننا يمكن أن نعود للمادة 20 من العهد الدولي للحقوق السياسية. ويمكن التوسع أكثر للوصول الى تعريف أكثر انضباطاً وفك حالة الالتباس بالعودة الى مبادئ “كامدن” التي عرفت خطاب الكراهية، وبالتأكيد لا يمكن تجاهل أهم الوثائق في هذا الموضوع “خطة عمل الرباط” التي تعتبر من أفضل الاستراتيجيات الدولية المتعلقة بمكافحة خطاب الكراهية.

سراء صبري القضاة           

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *