الذكاء العاطفي هو مصطلح يعبر عن قدرة الشخص على التعرف على عواطفه الشخصية، وفهمها بصورة سليمة، وإدراك مدى تأثيرها على الاشخاص من حوله. يستطيع الأشخاص الذين يتمتعون بمعدل ذكاء عاطفي عالي من السيطرة على سلوكهم العاطفي وضبطه. فلما زادت مهارات الذكاء العاطفي، أدى ذلك لعلاقات شخصية فعالة وناجحة بشكل أكبر. أيضا كان من المرجح امتلاك بعض المهارات مثل إدراك النفس والقدرة على ضبط الإندفاع والإنفعالات وتنظيم الأمور والتعاطف مع الآخرين والتمتع بنوع من الفضول وبعض الأمور الاخرى. ينسب أصل الذكاء العاطفي إلى تشارلز داروين صاحب نظرية التطور والعالم الجيولوجي، حيث عمل على أهمية التعبير العاطفي من أجل البقاء وتطبيقاته في مطلع ال 1900م. في وقت مبكر من عام 1920م، تم استخدام مصطلح الذكاء الإجتماعي لوصف مهارة فهم وادارة الآخرين. في عام 1940م، قام ديفيد كسلر بوصف القيادية على أنها من العوامل الغير الفكرية بشأن السلوك الذكي، وأضاف أن العوامل تلك لو لم تشمل نماذج الذكاء لن تكون كاملة في وصف الذكاءات للأفراد بصورة صحيحة.
ارتبط الذكاء العاطفي فيما بعد ارتباطا وثيقا بنافذة جوهاري، وهي تقنية تستخدم لمساعدة الأشخاص على فهم علاقتهم مع ذاتهم ومع الآخرين بصورة أفضل. هي عبارة عن جدول مكون من أربع خانات أو مربعات، الأولى ما تعرفه عن نفسك ويعرفه الآخرون مثل أسمك وعمرك والصفات العامة المعروفة، الثانية ما يعرفه عنك الآخرون ولا تدركه عن نفسك كالصفات التي يتسم بها الشخص ولكن ليس مدرك لوجودها، الثالثة ما تعرفه عن ذاتك ولا يعرفه الآخرون ويتم التعبير عنها بالمساحة الشخصية، والرابعة هي أكثرهم غموضا حيث أنها ما لاتعرفه عن نفسك ولا يعرفه الآخرون وهي الجزء الباطني من النفس. الذكاء العاطفي يمكن تعزيزه لدى الشخص من خلال عدة مهارات كالإستماع العميق وبتركيز عند التواصل مع الطرف الآخر، ملاحظة لغة الجسد والإيمائات وعلامات الإتصال الغير لفظي أو حتى نبرة الصوت، مراقبة ردود الأفعال للآخرين وتحليلها، وكذلك التجاوب بصورة مناسبة مع محتوى حديثهم.
الذكاء العاطفي كما ذكرنا، يشمل ضبط النفس والمثابرة والحماس والقدرة على تحفيز النفس، وهذه المهارات يمكن تعليمها للأطفال لنوفر لهم فرص أفضل وحياة اجتماعية جيدة. لذا، لو قامت المدارس بتبني مفهوم الذكاء العاطفي بغرض تطوير قدرات الطالب، سنلاحظ تغير واضح في مشاكل العنف أو التنمر بين الطلاب، أو الشغب والتخريب، أو حتى اللامبالاة وقلة الثقة بالنفس. لأن الذكاء الذي يعرفه العامة والذي يتم الاهتمام به في المدارس لا يغطي مساحات القدرات العاطفية التي تفسر الحاجات الأساسية للنفس البشرية. ولا ننسى أن الأهل يلعبون دورا مهما في بناء هذا الجانب لدى أطفالهم وتعزيزه. كما نعلم، ليس أذكى الناس أكاديميا هم أنجحهم في الحياة، ربما يكون الشخص بارع في تحصيله الأكاديمي ولكن ليس ناجحا جدا في علاقاته الإجتماعية والشخصة أو في العمل. الذكاء العاطفي هو ما يساعدك في التحكم بالعواطف والتوتر في المواقف أو الإختبارات، ويجعلك أكثر فاعلية في إدارة حياتك الإجتماعية.
أيضا لا ننسى أن للذكاء العاطفي آثارا عديدة، منها ما يرتبط بالصحة الجسدية فإذا كنت غير قادر على إدارة عواطفك، فمن المحتمل أتك لا تدير توترك أيضا، وهذا ما يمكن أن يؤدي لمشاكل صحية. التوتر غير المنضبط يزيد من ضغط الدم، ويثبط جهاز المناعة، والخطوة الأولى لتحسين الذكاء العاطفي هي تعلم كيفية إدارة التوتر. منها ما يرتبط بالصحة العقلية، العواطف غير المنضبطة أو المفرطة تؤثر على الصحة العقلية، وتجعلك عرضة للقلق والاكتئاب، فإذا كنت غير قادر على فهم عواطفك أو الشعور بالراحة معها أو التحكم فيها فسوف تكافح أيضًا لتكوين علاقات اجتماعية قوية.
حتى نعود ونجمع أفكارنا التي طرحناها آنفا، سنستعرض ونربط ما ذكر بعلامات أو ميزات خمسة معينة لو تواجدت في شخصيتك تدل على أنك شخص على مستوى ما من الذكاء العاطفي؛ أولاً، القدرة على فهم وتحديد العواطف فهذا يدل على التمتع بقدر عالي من الإدراك بالذات وفهم المشاعر، ثانيا، القدرة على فهم مشاعر الآخرين، القدرة على تحديد مشاعر الآخرين تساعدهم على فهم الآخرين وتقديم الدعم لهم وادخال البهجة للقلب، ثالثا، جعل من يحيط بك يشعر بالسعادة، مقدرتهم على مراعاة مشاعر الآخرين تجعلهم أكثر انتباهًا لتذكر بعض تفاصيل حياتهم أو اهتماماتهم مما يشعرهم بالسعادة لتذكر تلك التفاصيل، رابعا، ادارة الافكار حيث يمتلك الاشخاص الأذكياء عاطفيا القدرة على فهم أن الأفكار هي مجرد أفكار وليست حقائق مما يساعدهم على تجنب التفكير الزائد في بعض الأمور، خامسا، تقدير ما هو موجود، إذ أن التوازن العاطفي يساعد على تقدير كل ما نملك وكل إنجازاتنا ومنع المشاعر السلبية من السيطرة على الأفكار.
قالت روبن ستيرن، المديرة المساعدة لمركز ييل للذكاء العاطفية واصفتًا إياه، “الذكاء العاطفي هو أن تتسم بالذكاء تجاه مشاعرك. وهو عبارة عن كيفية استخدام عواطفك لتوجيه فكرك، واستخدام تفكيرك لتوجيه عواطفك”، هي عملية متبادلة بين الفكر والعواطف. لذا ربما نحتاج جميعا من أن نلتقط انفاسنا وأن نستثمر المزيد من الوقت في أنفسنا وتعلم معنى أن نكون أذكياء، حيث يعتبر البعض أن الذكاء العاطفي مؤشّرا أفضل للنجاخ الوظيفي من السيرة الذاتية. اذا، كما رأينا تكمن أهمية الذكاء العاطفي في ادارة ذاتنا وادارة علاقاتنا الإجتماعية وهو أمر شديد الأهمية، هو يحدد سلوكنا في الحياة والمجتمع، إذ أن التعامل مع الناس أمر يومي ومن المهم أن يكون التواصل فعّالا حتى مع أنفسنا. إن الطريقة التي نحدث بها أنفسنا قد تؤثر بشكل عميق على عواطفنا وصحتنا.
في حال تسائلتم عن كيفية تحديد الذكاء العاطفي بشكل أدق، أو قياسه وتقييمه لدى الفرد، لابد لكم من أن تلقو نظرة على اختبارات الذكاء العاطفي. قام العلماء السلوكيين بابتكار عدد من التقييمات الذاتية للذكاء العاطفي مشيرين إلى أن الموضوع صعب القياس حيث أنهم وجدو أن الناس يميلون للمبالغة أحيانًا في تقدير ذكائهم العاطفي لذا توجب عليهم عمل تلك التقييمات ليقوم الناس بالقياس من خلالها، والتي يتعين عليهم فيها حل المشكلات، وفهم تعبيرات لغات الجسد، أو وضع استراتيجيات في موقف متوتر عاطفيًا، وبذا يمكنهم اختبار مدى المهارات لديهم. ختاما، أريد أن أنوه الى أن الذكاء العاطفي هو ما يمنحنا القدرة على قراءة مشاعرنا الغريزية، ومشاعر الآخرين. كما يسمح لنا بفهم وتمييز العواطف وكذلك التعبير عنها وتنظيمها، للعواطف تأثير ملحوظ على تفكير الفرد وسلوكه. يعتقد البعض أن الذكاء العاطفي ما هو إلا مجرد مهارة ناعمة تساعدهم على التحلي باللطف والرصانة، الأمر يتعلق بفهم ما يجري لك في الوقت الحالي حتى تتمكن من اتخاذ خيارات واعية بشأن الطريقة التي تريد استخدام عواطفك بها.
يوسف النسور