العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية

العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية

تعاني المجتمعات على اختلافها من ظواهر اجتماعية خطيره تكاد تفتك بكياناتها إن لم تكن كذلك، وهي من صنع البشر شكلوها بأيديهم، وزرعوها في قلوبهم وعقولهم، حتى اصبحت نهج حياه وسلوك، غير ناظرين إلى عواقبها. لعل من أخطر هذه الظواهر الإجتماعية العنصرية والتمييز والكراهية التي تسري في جسم البشرية  التي تنتهي معها كل معاني الاخوة والمساواة والمحبة، وتزرع خلفها الحقد والبغض والدمار والقتل وتنشر الرعب في القلوب. ترفع فئة و تترك فئة محطمه غير قادرة حتى على العيش الكريم.

جاءت الاديان السماوية السمحة وسادت معاني السلام والمحبة والمساواة والعدالة بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانِ وعملت على قتل جميع مظاهر العنصرية والتمييز بين الناس. يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)”  (الحجرات:13). وذكر في الإنجيل أيضا أنه وضع يسوع مبدأ يوجه المسيحيين عندما قال لأتباعه:‏ «انتم جميعا اخوة».‏ (‏متى ٢٣:‏٨‏)‏ وقد صلى ان يكون أتباعه متَّحدين و «مكمَّلين في واحد»،‏ لا ان تقسِّمهم او تفرِّق بينهم ‏ يوحنا ١٧:‏٢٠-‏٢٣؛‏ ١ العنصرية   كورنثوس ١:‏١٠‏.‏

هذا هو معيار المفاضلة بين الناس في الاديان السماوية، تقوى الله، فخير الناس أتقاهم. وأفضل الناس أتقاهم وأجمل الناس أتقاهم. إن لنا جميعاً الحق في أن نُعامل على نحو متساوٍ بغضِّ النظر عن العنصر أو العرق أو الجنسية أو الطبقة أو الـمُعتقد النوع الاجتماعي أو غيرها. من أهم الأسباب التي دعتني لكتابة هذا الموضوع من بعد انتشار هذه الظواهر في  قلوب وعقول البشرية بشكل كبير جدا حيث اثرت سلبا في سلوك الافراد وانعكاسها على حياتهم  إذ تعمل على قتل جميع مظاهر الحب من القلوب. سنتعرف في هذا المقال على: تعريف العنصرية واشكالها، تعريف التمييز وإشكاله، وتعريف لهرم الكراهية.

 جاءت الإتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري وعرضت للتوقيع والتصديق والإنضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر1965 تاريخ بدء النفاذ: 4 كانون الثاني/يناير 1969، وفقا للمادة 19 إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ ترى أن ميثاق الأمم المتحدة يقوم علي مبدأي الكرامة والتساوي الأصيلين في جميع البشر، ومن هنا يمكن تعريف العنصرية و التمييز و هرم الكراهية على النحو الاتي:

  • العنصرية في الإصطلاح: الإعتقاد بأن هناك فروق وعناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم وعزيها لإنتمائهم لجماعة أو لعرق ما، بالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف سياسياً، قانونياً، اجتماعياً… باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات علمية، مثلما فعل الحزب النازي في ألمانيا حيث إبتدع فكرة سمو العِرق الآري على باقي الأعراق والأجناس البشرية.
  • العنصرية تاريخيا: سادت العنصرية في أمريكا بعد الحرب الاهليه الأمريكيه في أواخر القرن التاسع عشر، ظهرت قوانين عنصريه تدعم سيطرة البيض على الزنوج في مجالات الإسكان والتعليم والوظائف ووسائل النقل والأماكن الترفيهية. أما في جنوب افريقيا، فظهر أول استعمال لكلمة “أبارتهايد” في عام 1917 خلال خطاب ألقاه جان كريستيان سماتس، الذي أصبح رئيس وزراء جنوب أفريقيا عام 1919. جاءت الكلمة “أبارتهايد” من لغة “الأفريكان”، لغة المستوطنين البيض ذوي الأصول الهولندية، ومعناها “الفصل” لتجسد نظام الفصل العنصري وتفضيل الإنسان الأبيض على الإنسان من ذوي البشرة السمراء في جميع المجالات.
  • العنصرية في القانون الدولي: الأمم المتحدة شجبت وكافحت العنصرية، حيث تنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (عام 1948) على أن “لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الإجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر”.
  • التمييز في ألاصطلاح: يعني التفرقة.
  • التمييز في القانون الدولي: انما يفيد مفهوم المعاملة الأقل تفضيلاً لشخص ما لسبب محظور. التمييز قانوناً ليس مجرد تفرقة وحسب، بل هو شكل من أشكال عدم المساواة بين ألأشخاص خصوصاً أولئك الذين لا يستفيدون من المزايا ذاتها التي يتمتع بها أقرانهم.
  • خطاب الكراهية: من أبرز التّعريفات ما أخرجه أوجيكو نوابوزو – مساعد باحث أوّل في الشّبكة الأوروبيّة يقول: خطاب لمناهضة العنصريّة الكراهية تعبير علنيّ عن الكراهية تجاه شخص ما أو مجتمع ما بسبب العرق أو الأصل الإثنيّ أو الميل الجنسيّ أو الجنس أو السّن أو الإعاقة أو الدّين أو الاعتقاد.

 من أشكال العنصرية:

  • توجد عدة اشكال للعنصرية، مثل اختلاف طريقة التعامل وتفضيل بعض الناس على البعض الآخر بسبب الإنتماء العرقي او فرض قوانين على فئة محددة من الناس بسبب انتماؤهم العرقي. أو النظر بشكل أقل الى الاشخاص المنتمين إلى عرق معين.
  • كما يمكن أن يكون لـلعنصرية شكلاً أكثر تعقيداً مثل: “العنصرية الخفية” وهي التي تظهر بدون شعور عند أشخاص يقولون أنهم يلتزمون بـقيم التسامح و المساواة، ولكنهم بدون أن يشعرو، يتصرفون بشكل عنصري تجاه بعض الأفراد أو المجموعات.
  • وهناك عنصرية أو تمييز يكون ضد مجموعات سواء مجموعات دينية أو سياسية أو ثقافية أو رياضية أو بها مرض أو لهم مهنة معينة.
  • وهناك عنصرية دول ضد بعضها ومجتمعات مثل أن يكره مجتمع لـمجتمع آخر مثل مجتمع شرقي و غربي أو مجتمع مسلم و مجتمع يهودي و مجتمع مسيحي و مجتمع له ديانات غير معترف بها.

من أشكال التمييز:

  • التمييز المباشر: عندما يقع تمييز صريح بين جماعات من الناس، وينتج عنه أن أفراداً في بعض الجماعات يصبحون أقل قدرة من غيرهم على ممارسة حقوقهم.
  • التمييز الغير مباشر: عندما يتم وضع قانون أو سياسة أو ممارسة بصيغة محايدة أي بدون تمييز صريح لكنه ينطوي على غبن لفئة أو فئات محددة بصورة غير متناسبة.
  • التمييز متعدد الجوانب: عندما تجتمع عدة أشكال من التمييز معاً وتؤدي إلى إحداث ضرر أكبر على فئة معينة.

 من وجهة نظري علينا أن نهتم أكثر بالثقافة المجتمعية وبزيادة الوعي المجتمعي لمثل هذه الظواهر وذلك من خلال جوانب متعددة منها: وسائل الإعلام، مواقع التواصل الإجتماعي، المدارس، الجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني ومن خلال  عقد ندوات ومحاضرات توعية وعقد برامج تدريبية وأنشطة فنية مثل كتابة المسرحيات، أو من خلال تأليف الأغاني لتصل لأكبر عدد من المستمعين وزيادة عدد المقالات المكتوبة سواء في المواقع الالكترونية أو في الصحافه الورقيه.  والإهتمام بالمبادرات التي تهدف لزيادة الوعي ونشر ثقافة التسامح وبناء السلام الإيجابي والعدالة الإجتماعية وزيادة دمج الأشخاص الأقل حظا في المجتمع والاستفادة من طاقاتهم بشكل إيجابي. توفير فرص للجميع قدر الإمكان وعدم احتكارها على فئة معينه في المجتمع. أيضا، الإهتمام بزيادة الوعي الذاتي والتمكين لأفراد المجتمع وخاصة الشباب ليطوروا من مجتمعاتهم وأوطانهم وقبل كل ذلك انفسهم حيث من هنا نبدء. 

سراء صبري القضاة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *