السلام هو مفهوم الحالة المثالية للسعادة والحرية بين جميع الشعوب والأمم على الأرض وهذا لا يعني بالضرورة الغياب التام لأي صراع. إنه يعني غياب العنف بجميع أشكاله؛ السلام بمفهومه العريض يشمل عدة تعاريف مبنية على وجهات نظر وظروف ومعطيات مختلفة خاصة بكل مجتمع أو دولة على حدا لكن هناك خطوط عريضة تتبع عند وصف ماهية السلام. يوجد السلام عندما يتفاعل الناس دون عنف ويديرون نزاعهم بشكل إيجابي – مع الإهتمام باحترام الإحتياجات والمصالح المشروعة لجميع المعنيين باعتبارها صراعات اجتماعية مشروعة مدارة جيدا، تم تحديد هذا التعريف خلال ورشة عمل للسلام عقدت في جنوب إفريقيا في مايو 2007. أيضا، تأتي كلمة سلام بمعنى السلامة من الآفات والنّجاة والتخلص منها، السّلام لفظٌ تُراد به البراءة من العيوب. كما وتأتي كلمة السلام بمعنى التحية؛ يُعرَّف السلام كمصطلح ضد الحرب بأنّه غياب الإضطرابات وأعمال العُنف، والحروب، مثل: التطرف العنيف، والنزاعات الدينية، والطائفية، والمناطقية؛ وذلك لاعتبارات سياسية، أو اقتصادية، أو عرقية.
كما يأتي تعريف السلام بمعنى الأمان والإستقرار والإنسجام بين مختلف الفئات الإجتماعيّة التي تتميّز بعدم العنف أو الصراع بين السلوكيّات ولديها التحرر من الخوف ومن العنف. المفهوم السائد يعبّر عن عدم وجود العداوة والإنتقام ويوحي السلام أيضاً بالمحاولات الصادقة في المصالحة، مع وجود العلاقات الشخصيّة أو الدولية التي تلتئم بطريقة صحيّة وحديثة مع الإزدهار في مسائل الرعاية الإجتماعيّة أو الإقتصاديّة، وتحقيق المساواة، والنظام السياسي في العمل الذي يخدم المصالح الحقيقية للجميع من ناحيته.
بالنظر إلى التعاريف التي وردت عن السلام يمكن أن نلاحظ أنها تصف الحياتيّة والمواقف المختلفة التي تدفع الإنسان إلى احترام إخوانه من بني البشر، ورفض الإساءة إليهم والإعتداء عليهم وممارسة العنف ضدّهم، وقبول الإختلاف بينهم. من خلال النظر إلى تاريخ السلام والحرب في العالم يظهر لنا ان فترات السلام الذي عرف ما قبل التاريخ حتى الزمن الراهن كانت حاسمة في التاريخ الانساني رغم انها قصيرة نسبيا بالقياس إلى فترات الحرب والنزاعات. يساعد هذا في ضحض النظرية السائدة بأن (تاريخ العالم هو قبل كل شيء تاريخ حروب وليس تاريخ سلام)، لأنه دون انتصار الذين يميلون إلى المصالحة ودون الميل إلى التهدئة ما كان هناك أي تاريخ أو أي مستقبل ولتسببت الحرب باندثار بني البشر.
من خلال النظر بتعمق إلى السلام والنظريات التي بحثت في السلام يمكن تقسيمه إلى نوعين:
1. السلام السلبي ويتمثل بغياب العنف المباشر(الحروب): في حالة السلام السلبي أنت لا ترى الصراع مفتوحاً في العراء، لكن التوتر يغلي لدى الجميع لأن الصراع لم يتم التوفيق عليه مطلقاً. هناك عوامل كثيرة تؤدي إلى تجدد الصراعات بعد انتهاءها ويمكن أن تأخذ هذه العوامل أشكالاً مختلفة. حيث يمكن أن تكون اقتصادية كاحتكار الدولة للموارد وحرمان الشعب منها، أو قد تكون العوامل ثقافية كالإختلاف العرقي والطائفي بين مكونات المجتمع بسبب وجود عوامل تقود إلى تولد الصراع مرة أخرى.
في حالة السلام السلبي، عندما يُعرّف السلام بما ليس فيه يعد سلاما سلبيا. لذا، فإن السلام السلبي يتمثل في غياب العنف (مادي، سايكولوجي، معنوي، ثقافي، وبنيوي)، والحروب، الصراعات، الإضطهاد والشر، بالتالي هو عدم وجود عنف ملموس. لكن، في ذات الوقت عدم وجود أيّ نوع من التفاعل بين الدول ويوصف في الغالب على أنّه تعايش سلميّ.
2. السلام الإيجابي: يشير إلى السياسات والمؤسسات والمبادرات التي تتبناها الحكومات من أجل رفع مستوى السلام في مجتمعاتها. يتم قياس السلام الإيجابي من خلال (24 مؤشرًا) في ثمانية مجالات هي كفاءة وفعالية الحكومة، والتوزيع العادل للموارد، والتدفق الحر للمعلومات، والعلاقات الجيدة مع دول الجوار، ومستوى رأس المال البشري وانتشار ثقافة قبول حقوق الآخر وانخفاض معدل الفساد ووجود بيئة أعمال جيدة. إن السلام الإيجابي يقوم في جوهره على قدرة الدولة والمجتمع بامتصاص الأزمات وتطوير آليات للتعامل معها.
تحقيق هذا السلام يتطلب التخطيط له بصورة ملائمة وتكريس الموارد المطلوبة لتنفيذ تلك الخطط. الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة هي من إحدى أشهر مبادئ حقوق الإنسان والتي لا تقبل الجدل التي وردت في إعلان الإستقلال الأمريكي. اعتبرت هذه العبارة المهد الذي أسس لفلسفات المنظمات الدولية والداخلية لتجسيد مفهومها الخاص عن كيفية إحلال السلام. حيث أن الهدف المعلن لمختلف المنظمات المعنية بالعمل على إحلال ثقافة السلام يدور في فلك هذه العبارة ودلالة ذلك ما جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لما كان الإعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. هذا تأكيد على أن كل البشر خلقوا متساوين، وأن خالقهم وهبهم حقوقًا معينة غير قابلة للتصرف. يستند مفهوم حقوق الإنسان على فهم ما يستحقون من حريات أساسية وبإقرار هذه الحريات فإن المرء يستطيع أن يتمتع بالأمن والأمان ويصبح قادراً على اتخاذ القرارات التي تنظم حياته. هنا يأتي دور السلام الإيجابي في تحقيق سلام مستدام من خلال إقصاء العوامل التي تؤدي إلى تجدد الصراع وخلق مساواة وتمازج أكبر في المجتمع لكي لا ينشئ صراع مرة أخرى.
إن الإنسان قد خلق لا ليجر السلاسل؛ بل ليفتح الاجنحة
أما في حالة غياب السلام الإيجابي يستخدم شكل آخر من العنف وهو “العنف الهيكلي” ويتجلى في ممارسة التمييز بأشكاله (العنصري، الطائفي، التقسيم الغير متساوي للموارد والقوة)، فبذلك يعتبر العنف الجسدي والعنف الهيكلي وجهان لعملة واحدة عند مقارنتهما فعندما يتم تخفيض أجور الموظفين من قبل الدولة (عنف هيكلي) وقيام شخص بمهاجمتك وايذاءك (عنف جسدي) النتيجة واحدة على المدى البعيد.
المجتمع الدولي في محاولة منه لنشر ثقافة السلام الإيجابي واستيعاب أهمية نشر هذه الثقافة لتفادي حدوث أي نزاعات دولية أو داخلية عنيفة لمنع تكرار سيناريو الحرب العالمية الأولى والثانية ومحاولة تقريب وجهات النظر والتشديد على أهمية الخطاب السلمي والدبلوماسية. كان للحرب العالمية الثانية الدور الرئيسي في تغيير الخارطة السياسية والعسكرية والبنية الإجتماعية في العالم، كما أدت إلى نشوء الأمم المتحدة لتعزيز التعاون الدولي ومنع الصراعات. تمثلت أهداف منظمة الأمم المتحدة في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، تطوير التعاون الدولي، ضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحماية حقوق الإنسان. ولما كان تناسي حقوق الإنسان وتهميشها قد أفضى إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة والتحرر من الخوف. هذا هو جوهر السلام الإيجابي “ليس القوي من يكسب الحرب دائما وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما”. فولتير اقرب مثال لنتائج تهميش أهمية السلام الإيجابي هو ما يحصل في المجتمعات العربية قبل الربيع العربي وما وصل إليه الحال بعد الربيع، في مجتمع اقل ما يقال عنه بانه غني بكل الموارد الطبيعية والبشرية. لا تدفع قيمة الحروب في وقت الحرب، الفاتورة تأتي لاحقا – بنجامين فرانكلن
زين الصبح