سؤال سهل أليس كذلك؟ أعني أنه من البديهي أن نجيب عليه أو حتى الأقرباء من حولنا، ألا تعتقدون؟ ماذا إن سألتك الآن عن طيب خاطر “من أنت؟” كيف ستجيب؟ على الأغلب ستبدأ بالتعريف عن نفسك باسمك وعمرك و وظيفتك وبعدها ستقف وربما تتأتأ وأنت تبحث بشكل دقيق وحذر عن المصطلحات التي ستصفك. وعندما تعتقد أنك وجدت ضالتك، ستصحح نفسك عدة مرات لتجد الكلمة “المناسبة“! وحتى قد تختلف هذه الكلمات “المناسبة” بحسب من هو أمامك! من أنت حقا؟ ما الذي يجعل منك أنت؟ هل تعرف؟! -بالتأكيد تعرف. لكن في صميمك، هل ما أنت عليه مشابه للذي تمثله وتعكسه للخارج؟
الهويه
حاول الإنسان منذ قديم الزمان في شتى مجالاته معرفة جواب هذا السؤال من الفلاسفة والكتاب والشعراء والعلماء والفنانين وعلماء النفس وحتى السياسيين ولكن لا يوجد تعريف يتفق عليه كل الأطراف. ففي العلوم الإنسانية عرفت الهوية بما يلي:
- الهوية (فلسفة): وتسمى أيضًا التشابه، هي ما يجعل الكيان قابلاً للتعريف والتعرف عليه.
- قانون الهوية: مبدأ المنطق الذي ينص على أن الشيء هو نفسه.
- الهوية الشخصية: الهوية العددية (استمرارية الوجود) للأشخاص عبر الزمن.
لذلك يجب أن تكون أسمك وما يحتويه من تمثيلات أكان في مظهرك البدني أو أفعالك وتفاعلاتك مع محيطك وحتى في أفكارك وعواطفك. ومع ذلك، من تأكيد لهويتك و فرديتها عن غيرها، فإنه يتم تصنيفك بناءاً على شكلك الإجتماعي أكان ذلك مبنيٌ على الجنس أو العرق أو الجنسية أو الأيديولوجية أو الدين أو الطبقة الإجتماعية… إلخ.
تخلق أشكال التجمع الإجتماعي هذه ما يُعرف بالهوية الإجتماعية حيث يعتمد تكونك كشخص بشكل خاص على أوجه التشابه التي تشاركها مع الأشخاص المحيطين بك -بحيث يحدد السلوك المناسب بالرجوع إلى قواعد المجموعات التي ننتمي إليها وبالتالي خلق أسس أخلاقية عُليا تطالبك بالولاء إليها بحيث -أن تكون جزءًا منه- هو تعريفك الوحيد. فبطريقة أو بأخرى يخلق ذلك مفهوم “نحن” مقابل “هم“. إنه أمر منطقي، أن تكون على دراية بنفسك وترتاح معها في نفس الوقت. ولكن كيف تدبر أمورك عندما أ. تكون جزء من العديد من الهويات الإجتماعية و ب. كونك مخلوق خاص بك تنمو وتتغير وتعرّف نفسك باستمرارية عبر الوقت؟
دور الإنترنت
الشبكة العنكبوتية، هذا ما يطلقونه عليها، عالم من الإحتمالات والمتاهات وعدد لا متناهي من اللامتناهيات وبالرغم من ذلك، هو شخصي وحميمي. هوعالم يسمح لك بتحديد الفضاء الخاص بك وحضورك عليه لأنه يتيح لك تشكيل المساحة الخاصة بك بجعلها مريحة وشخصية؛ أي بجعلها آمنة. تسمح لك هذه المساحات بالتعبير عن نفسك بشكل شخصي وأصيل بقدر ما تريد وتختار. لكن هل تفعل ذلك؟
في الوقت الحاضر، كونك على الإنترنت، يعني أن تكون على منصات وسائل التواصل الإجتماعي وهي اجتماعية بقدر مجتمعاتنا في الطبيعة. نحن مخلوقات نحب العادة، فالطبع غلب التطبع، وهذا الوجود الموحد لنا جميعا حوّل هذه المساحة الشخصية إلى حيثما كنا ولكن بطريقة مضخمة. ماذا الآن؟ كيف نتعامل مع هذا الشكل من الحرية التي تتحكم فيها النفس وتؤكدها؟ هذا الشكل من أشكال الحرية التي تسمح لك أن تكون من تريد؟ إما أن تنمو لتصبح الشخص الذي تريد أن تكونه بكل ما للكلمة من معنى؛ عن طريق التعبير عن أفكارك ووجهات نظرك وعواطفك والمشاركة اجتماعيا كما تراه مناسبا دون أن تخاف من أن تكون أنت. أو كما يفعل كثيرون هنا… بأن تكون شخصًا آخر؟ وهذا بإما أن تكون:
شكل جديد من الهوية: حيث يمكنك أن تكون غلافا مجهولا شديد الزيف من الخارج؛(أمير الظلام/وردة البنفسج/ والمفضلة لدى الجميع سوسو المتوحشة)، لكن بمحتوى حقيقي وأصيل وبمنأى عن الخوف من التعرض للمحاكمة الاجتماعية لعدم الالتزام بالأجزاء “الثابتة” من هويتك. قد يختلف هذا من فعل ضئيل في المشاركة الإجتماعية كأن تكون على صفحات أو مواقع معينة، إلى حد التعبير عن نفسك بكل شغف تجاه المواضيع المحظورة. أو استكشاف طريقك الوحيد لتجربة الحب أو الشهوة، مرة أخرى -كما تراه أنت مناسبا.
انتحال هوية شخص ما
أنا، بل نحن سمعنا الكثير من القصص عن وقوع بعض الرجال بعمق في الحب/الشهوة مع تلك الفتاة المدهشة على الإنترنت. تلك نفسها التي لن تعترف بوجودهم في الحياة الحقيقية. فتاة تخترق كلماتها الصخر. وعندما يشاركون تجربتهم مع من حولهم يكون الرد المشترك هو “يزم هسا بطلعلك شب بتخوث… فكك من جو الهبل واعقل”. هذا يبدوا شديد الواقعية لكن ذلك الحب -إن صح التعبير- يوقفه من تصديق ذلك. ومع مرور الوقت في المستقبل وبتطور العلاقة يحتم التقدم إلى واقع يحدث فيه تفاعل جسدي وحقيقي. حينها تبدأ الأعذار في الصعود – “ايش ما نحكي ونسوي عالفاضي، ولا اشي راضي يزبط” هذا قد ينتهي ب:
- ملقت، مش هيك – يالله سلام.
- يعترف المنتحل بعملته.
- معرفة الحقيقة لوحدك.
كيفما ومتى ما ينتهي الأمر، فإنه دائما سيء. جارا معه سحابة كبيرة من الندم و عدم الثقة طاغية كلا الطرفين – كل بطريقة مختلفة. ما لم يكن ذلك للحصول على رصيد مجاني، حينها يكون الأمر تعيساُ إلي جانب واحد فقط.
لكن لماذا؟
لماذا يصبح الشخص شخصا آخر؟ مع ذلك يكون هو/هي في نفس الوقت. أنت مزيف إما لأنك تخشى أن تكون أنت أو لأنك تستطيع ذلك. أن تكون خائفا من أن كل ما يخرج منك سيحتسب خطأ أو يعرضك لكره أو تخويفًا أو ببساطة لا يعترف به. ما الهدف من أن تكون نفسك عندما يجلب ذلك الكثير من الكراهية في حياتك؟ “كيف أخاطب تلك الفتاة المذهلة عندما أكون بقباحتي ؟ فقير كحالتي ؟ غير ملائم لأنني أنا.”,” كيف يمكنني أن أجد الحب بشروطي والذي إن حاولت كأنا فأنا ميتة لا محالة”.
أو لم لا؟
“لأنني قادر – أخ ستكون مزحة عظيمة… أعني هل قابلت أصدقائي؟ إنهم أغبياء وبلهاء كما هو الحال”. هذا صحيح في مجتمعاتنا – فنحن نقدر “الفكاهة“. كل هذا يدل على أن هويتك مقيدة بما ومن حولها، لكن، هذا ليس ضروريا. إن إخفاء شخصيتك بكونك مختلفًا بأي معنى وشكل، سوف يجعل من الصعب عليك أن تكون مرتاحًا. وبما أن معظم الخيارات الفردية في هذا المجتمع المتلاحم والمعقد، إن أي من اختيارك سيؤثر على من حولك بشكل مباشر وغير مباشر. لذا، كن من أنت، كن آمنا وسعيدا واعلم أن المجتمعات والآراء تتغير – ببطء ولكن بثبات. لذلك ربما يكون من الجيد التحدث علانية عن كونك شخصية مغايرة، تابعا لأي نوع من الأيديولوجية والفكر… إلخ. من الرائع أن تكون غريبا. واحزر ماذا – أنت لست وحدك.
أسامة مبيضين