يعتبر السلام بشكل عام العقد الدولي الذي يمثل ثقافة الدول الرئيسية وخاصة بعد ظهور مصطلح السلام الإيجابي في القرن الواحد والعشرين. يتسع مجال السلام الإيجابي ليضم مجالات مختلفة مثل العنف ضد الأطفال ومجال تمكين ودعم المرأة، والمجال التعليمي ونشر ثقافة العدل والمساواة وسياسة التسامح في منهاج الحياة بشكل عام. السلام الإيجابي في معناه الرئيسي لا يمثل عدم وجود النزاعات والصراعات فحسب، ولكن يحتاج منهاج متأصل من الأنماط والمجموعة القيمية والتقاليد والأساليب الحياتية التي لا ترجع إلى الالتزام التام في مبادئ حقوق الإنسان ومبادئ السيادة، وإلاتّكال بشكل أساسي على النقاش والحوار بين الشعوب والثقافات المتنوعة.
كما يعتمد تطبيق السلام الإيجابي على تفعيل دور الهيئات والمنظمات المجتمعية المعنية في شؤون المجتمع، وكذلك الأمر واعتماداً على معلومات من أكثر من سبعمائة منظمة من مختلف أنحاء العالم من ضمنهم أكثر من خمسون منظمة عربية مدنية تمثلها خمسة عشر دولة عربية في منطقة الشرق الأوسط، حيث توضح معلومات المنظمات وناتئج تقاريرها تقييماً واضحاً لدرجة تقدم وتطور رسالة السلام في الوطن العربي و الإتجاه الإيجابي الذي تتجه نحوه رسالة السلام الإيجابي. كما يعبر نظام نشر السلام الإيجابي عن مبادئ وأساسيات تختص بنشر حق المساواة في المجال التعليمي بين الرجل والمرأة، كذلك تفعيل المشاركة في الحياة الديموقراطية ومجال التنمية البشرية وحقوق الإنسان. كما ويعبر عن حق التضامن والتفاهم والأمن المجتمعي، وحرية تبادل المعلومات والأمن والسلام في مختلف أنحاء العالم.
فلو أنّ جميع المناطق في هذا العالم تحتاج إلى السلام، اذاً فإن المنطقة في العالم العربي بشكل خاص وبكل ما يجري فيها من نزاعات واحتدامات دموية، فإنها تعتصر طاقات أبنائها! كما تعيق تطور إمكانياتهم المادية والسّكانية، بهدف تكوين وبناء مستقبل أفضل تتحقق فيه شروط السلام والتي من خلالها تنتصر ثقافة السلام الإيجابي. يبقى المفهوم الأشمل للسلام الإيجابي يرتكز بشكل رئيسي على العدل والحق والحوار، وينبذ الإعتماد على القوة في فرض الرأي وبالأخص فرض الآراء التاريخية، مما لا يتيح توفير بيئة مناسبة لممارسة السلام الإيجابي. من المثير للجدل أن منطقة الشرق الأوسط التي يغلب عليها كثرة الصراعات؛ تعتبر من أكثر المناطق ثراء في العالم، وذلك بالإضافة إلى قدرات الدول في الشرق الأوسط العظيمة لتطبيق جميع مبادئ وثقافة السلام الإيجابي. يعود ذلك إلى عوامل غاية في الأهمية منها أن الشرق الأوسط يعتبر مهد الديانات السمواية جميعاً، كما تعتبر منطقة الشرق الأوسط والدول العربية مجملة وبالرغم من المحن والمصاعب التي مرت بها المنطقة والتي تمر بها حالياً. إلّا أن المنطقة العربية تعتبر من أكثر المناطق تقبلاً لمبادئ وأسس العيش السلمي والسلام المجتمعي ودرء النزاعات ورفض الحروب والمعارك السياسية، إذ تقوم بتطبيق ذلك من خلال إتّباع سياسات الإحترام المتبادل وتبني منهج العدل والحرية، لتقوم بتطبيقه على قدر الإمكان كثقافة سلام إيجابي في المجتمعات كافة وفي المدارس والجامعات وجميع منظمات المجتمع المدني. تعتبر المنطقة العربية مركز لحوار الحضارات وتأخذ على عاتقها مهام تحويل تقارير المنظمات الإنسانية إلى تطبيقات فعلية تصب في ثقافة السلام الإيجابي ونشر هذه الثقافة على أوسع نطاق، فمن خلال ذلك تساهم المجتمعات العربية في تطبيق نتاج دراسات المنظمات الإنسانية والداعمة للسلام في العالم بأكمله.
تسير الحركة في العالم بأكمله بتقدُّم وبتطور مستمر من أجل السلام الإيجابي، وهذا ما خرجت به خلاصة المعظم من منظمات وجمعيات نشر السلام في أنحاء العالم، وتُقدِّم الحركة العالمية تقريراً يتضمن أول خمس سنوات من تطبيق العقد الدولي لثقافة السلام الإيجابي ودرء العنف، وتم ذكر ذلك في ما يتجاوز الثلاثة آلاف صفحة من البيانات والمعلومات والتي قدمتها أكثر من سبعمائة منظمة في مئة بلد، ومن المتاح الإطّلاع عليها على موقع الإنترنت التالي. تمثل هذه البيانات قطرة في محيط من المعلومات، حيث أن هنالك العديد من المنظمات التي تقوُّي وتدعم السلام الإيجابي التي لا تظهر ولا يوجد لها وجود فعّال ومنصات واضحة في المجتمع، حيث لا يتم التواصل معها ولم ترد في التقرير. حيث تمثل إقامة مبادرات من أجل السلام وثقافة السلام الإيجابي استجابة لدعوة قرار الجمعية العامة لإقامة مبادرات سلام، قرار رقمA/53/243.B. A.6. من المتفق عليه، بصورة عامة، أن هنالك ندرة بشكل ملاحظ وصعوبة في تحصيل موارد بهدف نشر ثقافة السلام الإيجابي، وذلك بالمقارنة مع حجم المصروفات الهائلة التي تقوم الدول بإنفاقها لتدعيم الحروب والنزاعات والحروب والتسلح ضد الهجمات الحربية والعسكرية حول العالم.
حيث وكما ذكر المعهد الدولي للسلام، تلعب السياحة دور غاية في الأهمية في دعم السلام الإيجابي وتفعيل دوره، حيث يمثل إحدى أهم التطبيقات على السلام الإيجابي ودوره في المجتمع. كما يعتبر المنتدى الدولي للآداب والثقافة الفنون من أهم تطبيقات السلام الإيجابي، فما نحارب به فعلياً أوجه العدوان المتطرف والنزاعات يتجلى بالفن. من خلال الفن نحارب ونغير مفاهيم النزاع إلى وفاق ومفاهيم الكره إلى الحب والوئام ومفاهيم الجهل والتبعية إلى التَّنور والعلم والقياديّة، ومفاهيم التواكل والإستهلاك إلى مفاهيم الإنتاج والإعتماد على الذات. من خلال الفن تكون حرب محذوف راءها، تنتشر فيها نوتات السلام لتلامس قلوب الجميع، الجميع بلا تفرقة، الجندي والرئيس، الطفل والحكيم، في لحن سلام، في لوحة سلام في ألوان تعبر عن السلام والأمان والحب والإطمئنان. سترتسم ابتسامة هادئة على جميع الوجوه وسَتُثمر جهود أصبحت توضع في مكانها الصحيح بفضل السلام الإيجابي. السلام الذي لا يقتصر فقط على درء العنف والعدوان بل يتعدّى هذا المفهوم لينطلق إلى المساهمة والبناء بشكل إيجابي في المجتمع، من خلال إحداث تغيير وتحديث في جوانب الحياة، وتغيير الصورة النمطية لكلمة سلام، لتُصبح صورة سلام مطوَّر، سلام بنّاء وحديث، سلام عامل ومؤثِّر بشكل يضفي لون آخر على حياتنا وعلى مجتمعاتنا، لون سلام يجعلنا ننتقل إلى مستوى آخر من الحب والإطمئنان، مستوى إنتاج وإبداع وتغيير، لتصبح نقلة نوعية في مفهوم السلام الإيجابي.
المعوقات والتقدم في منظور أهم المنظمات الدولية في رؤيتها للسلام الإيجابي
لقد تمكّنْتُ من الحصول على مقتطفات من تقارير حول ثقافة السلام تم تقديمها من قِبَل أكثر من 111 منظمة دولية، لمعلومات إضافية حول هذه المنظمات يمكن تتبع الرابط ويتم النظر في تقارير هذه المنظمات كل واحدة على حدة في الإطار المناسب، من أبرز الأمثلة عليها:
جامعة براهما كوماريس الروحية العالمية (Brahama Kumaris world spiritual university)، “لا شك بأن جامعة براهما كوماريس واكبت تطوراً في مجال ثقافة السلام وعدم العنف في مجالها، فعلى النطاق العالمي جذبت قاعات ومدرجات هذه الجامعة الآلاف من الجماهير التي حضرت لحضور تطبيقات عناصر السلام الإيجابي على حياتنا اليومية ومجتمعاتنا”. أيضا هناك على سبيل الذكر لا الحصر فقط بعض الأمثلة على منظمات فعلت وتفعل مفهوم السلام الايجابي منها:
نداء لاهاي من أجل السلام، منظمة البكالوريا العالمية، الإتحاد الدولي لنساء الجامعات، الزمالة الدولية للتصالح، الجمعية الدولية لمخططي المدن والمخططين الإقليميين، الشبكة الدولية للمهندسين والعلماء من أجل مسؤلية دولية، المكتب الدولي للسلام، برنامج المدارس الصديقة المرتبطة بالحياة، جمعية الشباب العامة لطرق السلام، حركة سلام المسيح الدولية، قارب السلام، ومنظمة سوكا جاكب الدولية، وغيرها الكثير من المنظمات التي بذلت الكثير من أجل تفعيل وتطبيق مفهوم السلام الإيجابي وتعزيزه في المجتمع والعالم.