اقتصاد الإنتباه وأثره على حياتنا!

اقتصاد الإنتباه وأثره على حياتنا!

لم تكن حياتنا اليوم بالسهولة التي كانت عليها قبل عشر سنوات، أو حتى قبل سنتين أو أقل. إن اختراع الحاسوب والإنترنت جعل الأمور تبدو أسهل وأكثر بساطة عما كانت تبدو عليه في الماضي وأصبح شراء سلعه نحتاجها لا يتعدى سوا بعض خطوات على أحد المواقع. ومع تطور المعرفة والتكنولوجيا، ظهرت العديد من المصطلحات المختصة في التسويق الإلكتروني والأدوات المستعملة لذلك، مما يجعل الأمور أكثر تعقيداً يوماً بعد يوم، و يجعل عملية تتبع هذا التطور، شيئاً فريداً و مستمراً، و يحتاج إلى الكثير من الجهد و البحث، كأي علم آخر من علوم الحياة المختلفة. من أهم هذه المصطلحات في العلوم المختصة في مجال التكنولوجيا هو اقتصاد الإنتباه، فاقتصاد الإنتباه هو نوع من أنواع الإقتصاد الحديث وهو نهج في إدارة المعلومات يعامل فيه انتباه الإنسان وكأنه سلعة نادرة، ويطبق النظرية الإقتصادية إلى حل مختلف مشاكل إدارة المعلومات. كما صاغها ببساطة: ماثيو كروفورد، “الانتباه مورد – للفرد كمية محدودة منه”.

كم مرة جالت بخاطرك بنت فكرة، فلجأت لمحرك البحث لإيجادها مرة أو اخرى، وغدوت بعدها تمسي وتصبح لتجد إعلاناً من هنا وهناك على صفحتك وحساباتك الإلكترونية؟! إعلانات تحيل بنت الفكرة التي تبحث لحقيقة! بمجرد مرورها بالخاطر. نعم فنحن الآن صرنا فئات مستهدفة، عينات للدراسة وأرقاماً تجمع وتطرح، ويتم تبادلها بين شركات التسويق وإدارات الترويج الإلكترونية، بهدف جذب انتباهنا لسلعها وخدماتها المطروحة لمجرد التفكير بالبحث عنها. فكيف تصل هذه المعلومات وغيرها إلينا دون البحث عنها على هذه المنصات؟ وكيف تعمل التكنولوجيا في إثراء المحتوى الذي نهتم به وتجعلنا نقضي ساعات وساعات نقلب هواتفنا وأجهزتنا المحمولة للبحث أو استعراض هذه السلع؟

إن مثل هذه التطبيقات تستخدم تقنية التتبع للمستخدم على محركات البحث، فمهما كان الشيء الذي تبحث عنه سوف تظهر لك الإعلانات اعتماداً على اهتمامك فتجعلك دائم الإتصال لرؤية ما هو جديد. وليس ذلك فقط بل إنها تدرس طريقة عمل أدمغتنا وكيفية استجابتها مع المتغيرات المختلفة وبناءً على هذه الدراسات تعددت الوسائل التي تحاول الشركات الإلكترونية اتباعها جاهدة في سبيل تعزيز الإنتباه لإعلاناتها خاصة دون غيرها والمحافظة على استمرارية وولاء زبائنها الإلكترونيين، آخذين بعين الإعتبار قدرات الإنسان المحدودة في الإنتباه والتركيز وذاكرته الآنية التي ما تكاد تستقبل فكرة حتى تشبع بأخرى من هنا وهناك. ليست ببعيدة عنا تلك التحديثات التي أدرجها الفيسبوك (على سبيل المثال لا الحصر) لمقاطع الفيديو؛ حيث غدت تُفعَّلُ مباشرة بمجرد التصفح والمرور، فنحن لسنا بحاجة للإختيار ولا حتى الإنتظار للتنزيل والتحميل وغيره. وإنما تصمم هذه الواجهات للبقاء متصلاً لأطول فترة ممكنة والتأكد من أن كل ما تراه هو محل اهتمام بالنسبة لك، و بالمقابل الإبتعاد عن ما هو أهم في حياتنا الواقعية و استبداله بالمتعة التي تحظى بها بالعالم الإفتراضي إن كان من خلال ألعاب رقمية أو وسائل تواصل اجتماعي.

في أحيانٍ كثيرة يتم إيصال رسائل مختلفة المعاني، والتي من الممكن أن تغذي الحقد والكراهية لفئات معينة في المجتمع، أو تدعم فئة معينة على حساب آخرى قد تكون على صواب أو على خطأ، فلا فرق في ذلك، فهي منصة للجميع، وكأنها الحرب بين الخير والشر، حربٌ باردة، يتحكم بها أصحاب هذه المواقع، ويدورونها على حسب أهوائهم و مصالحهم، مما يجعل الناس أكثر عدائية بصورة تبدو غير مباشرة، أو متعاونين في أوقات أخرى، ولكنها في الحقيقة أكثر ما تكون إلى رسائل مباشرة بل ومستهدفة. فمن دورنا كمستخدمين لهذه المنصات، وكيف يمكن أن نغذي هذا المحتوى، هل سنكون من الذين ينشرون ويشجعون خطاب الكراهية أم سنكون من الباعثين في النفوس السلام، و يدعموا كل الفئات المهمشة والمضطهدة في المجتمع، هل سنقدم لهم خدمة مجانية في دعم أفكارهم السوداوية، أم سننشر الحب والوئام، وسنقبل الآخر، بأنه ليس آخر و إنما واحدٌ من أفراد المجتمع، و له حقوقٌ و آراءٌ يجب احترامها؟.

إن الهدف المتوقع من التكنولوجيا هو مساعدتنا لتحقيق أهدافنا الحقيقية بالحياة ولتساعدنا للقيام بواجباتنا بكفاءة ويسر، كتعلم لغة جديدة، أو تعلم العزف على آلة موسيقية، أو حتى الحصول على جسم رشيق من خلال اتباع نظام غذاء معين! ولكن التكنولوجيا اليوم هدفها الرئيسي أن تجعلنا نقضي ساعات أكثر ونحن متصلون بهواتفنا المضيئة ليلاً ونهاراً لتصفح المئات من الصفحات يومياً غير آبهين بالوقت الحقيقي الذي نقضيه عليها ومتفاجئين بعدد الساعات التي ينبهنا بها نفس الجهاز عادةً بأنها تجاوزت نصف نهارنا وأكثر ولكننا وبالرغم من تفاجأنا هذا ليس لدينا أية قابلية للإبتعاد وإنما التعلق أكثر مع مرور الوقت والتعود على ظهور الإعلانات كل دقيقة أو أقل!

إن عدد الاشخاص المتصلين بالإنترنت اليوم يتجاوز الأربعة مليار نسمة، ويمثل حوالي نصف سكان العالم وهو في ازدياد مستمر. إن جميع هذا الوقت المهدور بالنسبة لنا يمثل عائداً ضخماً من الأموال لأصحاب هذه التطبيقات والمواقع، والدول الداعمة لها، ومصممين الألعاب الرقمية، ليس ذلك فحسب ولكن ظهرت عملة جديدة تدعى الليبرا وهي عملة رقمية مشفرة خاصة بالفيسبوك لعمليات التسويق عبر الإنترنت، والتي من الممكن أن تحدث ثورة جديدة، في عالم التسويق الرقمي. كما وتطورت العديد والعديد من المصطلحات و المفاهيم الجديدة.

لقد أصبح تخيل الحياة بدون انترنت شيئاً مرعباً، و كابوساً مخيفاً لا أحد يتمنى أن يحدث يوماً. بل ومن الممكن أن يكون أسوء ما قد يخطر على بال بشر، إن حياتنا اليومية تعتمدُ اعتماداً مباشراً على الإنترنت ومايقدمه من خدمات في شتى المجالات كالتعليم والعمل والصحة والتنظيم وغيرها الكثير، بل ويحمل في جعتبه أيضاً عالماً آخر من الأشخاص الذين لا نرى حياتنا دون التواصل معهم والتحدث إليهم بشكل منتظمٍ ودوري، إن كانوا أفراد من العائلة في دولة آخرى أو أصدقاءً يفصلنا بينهم آلاف الكيلومترات، أو حتى ذكريات من حياتنا اليومية على شكل صور و مقاطع فيديو محفوظة في ملفات مكونة من “صفر و واحد” على شكل رقمي نخاف عليها كما نخاف على مستقبلنا و نحميها كما نحمي أياً من مجوهراتنا الثمينة.

مسكين أنت أيها الإنسان فقد غدوت الآن حقلاً للتجارب، وأصبح انتباهك مورداً وثروةً في علم الاقتصاد، بل وفرعاً خاضعاً للتجارب والفرضيات. مورداً تتنافس الشركات والمنصات الإلكترونية لإستغلاله بالشكل الأمثل دون هدر، أين أنت وانتباهك أمام الأسواق الإلكترونية الممتدة بلا نهاية كأمازون و علي بابا؟ التي تفتح لك عوالمها بدون تعويذات سحرية، فأنت لن تحتاج لقول “افتح يا سمسم”، ولكن يكفيك المرور بإعلاناتها لتضيع باحثاً عن كلمة الخروج منها بلا جدوى بل وبهدر لكل وقت وانتباه متبق لديك، أنت بحاجة الآن لتعويذة “اغلق يا سمسم”.

إسراء منصور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *