استطلاع رأي بشأن العدالة الإجتماعية

استطلاع رأي بشأن العدالة الإجتماعية

يقول بن تيمية: “إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، والظلم محر م مطلقاً ولا يباح بحال”.

على مدى التاريخ الطويل، كانت العدالة موضوعا شاغلا لأدمغة الفلاسفة والمفكرين، فكتبوا فيها مجلدات وصنعوا مدنا فاضلة جوهرها تحقيق العدالة للجميع. أفلاطون وأرسطو والفارابي وكارل ماكس وتوماس مور، الجميع كتب عن فرضيّات العدل الإنساني و جوهر كافة الأديان أيضاتحقيق العدالة. فيما يلي أربعة محاور للعدالة:

  • المحور الأول: العدالة الإقتصادية.
  • المحور الثاني: تكافؤ الفرص في الوصول إلى تعليم جيد.
  • المحور الثالث :تكافؤ الفرص فيما يتعلق بصنع القرار.
  • المحور الرابع :التكافؤ في الحصول على الحقوق العامة.

جميع هذه الأقسام تشكل أعمدة العدالة الإجتماعية لكن أُبَرِرُ لما أَدرجت المحور الثاني والمحور الرابع كمحاور أساسية. أغلب الفلاسفة أدرجوا الثقافة والعلم على لائحة أهم محاور العدالة لأنهما صانعّا التغيير الرئيسين في العالم. جوهر العلم والثقافة هو نقل المعرفة الصادقة والأخلاقية من جيل إلى جيل واستبعاد أي معرفة تؤدي إلى هدم المجتمع. أما المحور الرابع: الحقوق العامة فأقصد بها الحقوق القانونية والحقوق الرمزية كحق ممارسة الشعائر الدينية مثلا، وجميع هذه المحاور يندرج خلفها الكثير من الأقسام المفصلة. لذلك ارتأيت أن اقوم باستطلاع رأي على منصة فيسبوك كمنصة وصول سريعة إلى الناس لمعرفة أهم محاور العدالة في المجتمع الإنساني من وجهة نظرهم. كان المشاركون في الغالب من حملة الشهادة الجامعية الأولى أو شهادة الماجستير وأغلب المشاركين هم من قاطني الأردن. كان السؤال فيها كالتالي:

بالنسبة لكم ما هي أهم أنواع العدالة التي يحتاجها المجتمع الإنساني؟

  • العدالة في توزيع الموارد الإقتصادية.
  • تكافؤ الفرص فيما يتعلق بصنع القرار.
  • العدالة في الحصول على الحقوق المختلفة مثال الحقوق القانونية مثلا، حقوق الإحترام المتبادل وحق ممارسة الشعائر الدينية.
  • العدالة في الحصول على تعليم وثقافة جيدان.

يجدر الذكر بأن استطلاع الرأي كان مرنًا بحيث أضاف المشتركون فيه بعض الخيارات مثل “التكافؤ بالحصول على فرص العمل” و “الحصول على العلاج الطبي لكل المواطنين بشكل إيجابي” و “الحصول على غذاء نوعي وصحي لكل أفراد المجتمع”. إن هذه المعايير تندرج تحت الخيارات الرئيسية للإستطلاع، لذلك ستكون النتائج مُضمّنة داخل النقاط الرئيسية.

 

كانت أعداد الأصوات لكل قسم كالتالي:

علق يحيى على الإستبيان: عندما أشارك بصنع القرار فالنتيجة أن هي الوصول للعدالة في توزيع الموارد الإقتصادية وأيضا سوف أحصل على العدالة في التعليم الجيد حيث أن المشاركة في صنع القرار سوف تؤدي إلى تحقيق كل أنواع العدالة الاخرى”. إن المشاركة في العملية السياسية وسنّ القوانين تعطي الإنسان القيمة المُستحقة لرأيه وتعطيه نوعا من احترام المجتمع المحيط لأفكاره ووجوده كمواطن ولكنها قد تفرض عليه نوعا من المسؤولية الأخلاقية ليؤدي واجبه على أكمل وجه. هناك الكثير من الآراء التي تتحدث عن مساهمة السياسة في تحقيق الرخاء للمواطنين وحاليا هناك دول ديموقراطية عظمى يصل صوت مواطنها إلى ديموقراطيتها وبكل سهولة يؤثر صوت هذا المواطن على قرارات حكومية كبيرة حتى لو على حساب الدول الاخرى!.

تاريخيًا، هناك نماذج حقيقية وقيادية لملوك وأباطرة حققوا العدل تحت نموذج قائد واحد للتغيير لكنهم بالضرورة استعانوا بالحكماء والمستشارين الأمينين على مصالح الناس، بَيْدَ أن النموذج الحالي للديموقراطية قد لا يقبل فرضية القائد الواحد المتفرد برأيه مُستبعدًا بذلك فكرة الدكتاتورية من العالم الحديث في حين يشجع هذا النموذج الديموقراطية التي قد تحقق آمال الناس وقد لا تحققها والمعيار هو مدى قدرة المرشحين على الصدق أو النفاق وقدرتهم على الدعاية بإطلاق الشعارات فضلا عن العوامل الاخرى.

ربما حققت العدالة الإقتصادية أعلى نسبة من الأصوات بين جميع أنواع العدالة الأساسية. قد يرجع هذا إلى الوضع الإقتصادي للمشاركين في هذا الإستبيان وربما قد تكون نتائج الإستبانة مختلفة لو كانت موجهة إلى مكان يُحقق فيه عدالة اقتصادية أكبر للمواطنين لكن، ماذا لو قلَّت امتيازاتهم المالية؟ أسيقومون بالمطالبة بالمشاركة السياسية أم سيطالبون بالحقوق المعنوية؟ أم سيطالبون بالعودة إلى الوضع الإقتصادي السابق؟ الإجابة على هذا الأسئلة تقودنا إلى فرضية أن المال يمكن أن يكون الأهم بنظر الأغلب سواءً اكانوا بحاجته أم لا. فإذا كانوا بحاجته عبروا عن ذلك وإن كانوا مكتفين منه حققوا أمنهم الضمني بامتلاكه بوفرة. المال الذي يأتي بكل شيء، كل شيء؟ نعم هذا صحيح. فالمال يشتري العلم الجيد ويشتري الساسة، ليس هذا محصورا بمكان أو زمان بل أنه في كل أنحاء المعمورة وعلى مدى كل العصور!. قد لا يهتم البشري إلا برفاهه المادي وهذا يرجع إلى عقلية الأنا الخاصة به، الملكية فطرية بحيث لا يعتنق الإنسان مصطلح “ماذا نملك نحن؟” بقدر ما يعتنق “ماذا أملك أنا؟. أظن أن تحقيق هذا النوع من العدالة يمتاز بالصعوبة نسبيا تبعا للظروف الدولية والعلاقات مع دول الجوار والتأثير المتبادل بين السياسة والإقتصاد.

ضُمِّنت نقطة تكافؤ الفرص بمجال التوظيف ضمن محور العدالة الإقتصادية والتي تحدث عنها أغلب الشباب المُعَلّقين على الإستبيان لأن الشباب يريدون تحقيق أمنهم الماديولا يهدفون إلى الإضرار بالمنافسين الآخرين قانونيا وحقوقيا. الأمر لا يتعلق بتمني عدم فوز المنافس بأمن مالي معين فالأمر يرجع أخيرا إلى الحق بالحصول على حياة مالية مستقرة حيث قالت أسيل: “العدالة تكافؤ في الفرص، إلغاء الواسطة والمحسوبية، برأيي هذا أهم شيء، وقبل كل الخيارات ولعدة أسباب”. وأيدها أشخاص آخرون وأضاف عون: “يجب أن تصنف الكفاءات وتأخذ حقها وتلقائيا سوف تتحقق العدالة في المجتمع”.

العدالة في تحصيل الثقافة الجيدة والتعليم الجيد أمر مفصلي ومهم. لا زلت أذكر صورة المعلم الياباني الذي يعلم الأطفال بعد كارثة هيروشيما اليابان رغم الحرب ورغم الدمار الشامل الذي لحق بالمدينة إلا أنه مارس العدالة في تعليم الأطفال ما يجب أن يتعلموه في هذا السن، احترم طفولتهم واحترم حقهم في الحصول على علم جيد. علينا جميعا الإقتداء بهذا المعلم وتشجيع العلم للجميع؛ نساءا ورجالا، أطفالا وشيوخا. لا يستثنى أحد من العلم ولا يحق لأحد منع أحد من أن يقرأ.

يُرى أن المعلم صانع التغيير الأول والذي يتتلمذ على يده القادة والمسؤولون والعلماء والأطباء والمهندسون لكن ما مدى إدراك المعلم بأنه قاض يمتلك قلما يخط المبادئ بعقول تلامذته كما يخط على الورق؟ يعّدل بين طلابه ويورثهم القيم الصحيحة؟. فجميع الفلاسفة الذين كتبوا عن المدن الفاضلة أشادوا بدور التعليم في صناعة النزاهة والعمل المتقن حتى أن بعضهم اقترحوا أن يكون الحكام علماء وباحثين، بل ووضعوا طرقًا لتعليمهم بطريقة مختلفة وضمن بيئة حاضنة للقادة المستقبليين.

علقت أسماء: “العدالة الكاملة إنسانية كاملة بلا تفريق عرقي أو ديني أو اقليمي. العدالة في احترام الذات الإنسانية وما قدر لها من موارد”. العدالة في مجال الحصول على الحقوق التي لا تتعلق بالإقتصاد أو بالحصول على ثقافة وتعليم جيدان، إنما تتعلق هذه الحقوق بالحصول على الإحترام والحقوق القانونية والرمزية وبذلك يُكفل أمن الإنسان النفسي الكامل.

إيمان أبو مقرب