سايكوباث: أَمْراضٌ ومُجْتَمَعْ

سايكوباث: أَمْراضٌ ومُجْتَمَعْ

الطِّفْلُ في مَرْحَلَةِ الطُّفولَةِ تَظْهَرُ أَكْثَرُ التَّطَوُّراتِ في حَياتِه؛ خِلالَ السَّنَةِ الأولى يَتَطَوَّرُ الطِّفْلُ في كُلِّ شَيء، يَبْدَأُ الطِّفْلُ بِالاسْتِجابَةِ إِلى بيئَتِهِ والتَّأَقْلُمِ مَعَها. هُوَ يُحاوِلُ أَنْ يُطَوِّرَ في الوَظائِفِ والقُدْراتِ الكامِنَةِ لَدَيهِ لِيُصْبِحَ إِنْسانًا صَغيراً كامِلاً. مَهْما حاوَلَا الأَبُ والأُمُّ مِنْ تَحديدِ الأَهْدافِ لابْنِهِما؛ فَقَدْ لا يَسْتَطيعونَ تَحْقيقَ مُرادِهِما. يُؤَثِّرُ العامِلُ الجينِيُّ الوِراثِيُّ لَدى الطِّفْلِ عَلى تَطْويرِ الخَواصِّ لَدَيه. هُنالِكَ أَيْضًا صِفاتٌ لا يَسْتَطيعُ الطِّفْلُ تَحْديدَها مِثْلَ الطُّولِ والشَّكْلِ وإِنْ تَدَخَّلَ الآباءُ في ذَلِك. ويَدْخُلُ الطِّفْلُ في حالَةٍ مِنَ التَّوَتُّرِ والخَوفِ الشَّديدِ لِما هُوَ قادِمٌ مِنْ تَغَيُّراتٍ على جَسَدِه. تَخْتَلِفُ المَواقِفُ الاجْتِماعِيَّةُ تِجاهَ الأَطْفالِ حَوْلَ العالَمِ في مُخْتَلِفِ الثَّقافات، وهذِهِ المَواقِفُ تَتَغَيَّرُ أَيْضاً بِمُرورِ الوَقْت. تَلْعَبُ المَواقِفُ الاجْتِماعِيَّةُ دَوْرًا رَئِيسِيَّا في نَشْأَةِ وتَطَوُّرِ الطِّفْل. أَيْضًا، يَجِبُ أَنْ نَسْتَذْكِرَ أَنَّ المَواقِفَ تَتَغَيَّرُ وتَتَطَوَّرُ إِمَّا إِلى الأَسوإِ أَو إِلى الأَفْضَل؛ بِحَيْثُ أَنَّ تَطَوُّرَ الطِّفِلِ إِلى مَرْحَلَةٍ مُغايِرَةٍ لِلْمُجْتَمَعِ سَوفَ يُؤَثِّرُ بِشَكْلٍ أَو بِآخَر عَلى الأَطْفالِ في مَرْحَلَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّة. بِمَعْنى أَنَّ كُلَّ ما نَقومُ بِهِ ونُؤْمِنُ بِهِ هُوَ ناتِجٌ عَنْ تَطَوُّرِ الفِكْرِ عَبْرَ الزَّمَن، وإِنْ حَاوَلْتَ أَنْ تُطَبِّقَ جَذْرَ الحَياة؛ أَي أَصْلَ سُلوكِ البَشَرِ مُنْذُ الوُجود، سَوْفَ تُواجِهُ صُعوباتٍ وعَدَمِ تَقَبُّلٍ مِنَ الآخر، بِصَرْفٍ النَّظَرِ أَنَّ هذا الجَذْرَ هُوَ أَساسٌ وسَبَبٌ لِما يَقومُ بِهِ البَشَرُ مِنْ إِيمانٍ وسُلوكٍ في حَياتِهِم.

الطِّفْلُ والمَجنونْ

المَجنونُ لُغَةً هو اسمُ مفعولٍ مِن أَجَنَّ عَلى غَيْرِ قِياس، واصطِلاحًا هُوَ الذَّاهِبُ العَقْلِ أَو فاسِدُه، هُوَ مَنْ زَالَ عَقْلُه؛ يَقومُ بِأَفْعالٍ وتَصَرُّفاتٍ لا يَفْهَمُها مَن هُم حَولَه. أَو كَما يَدَّعونَ أَنَّهُمْ يَفْهَمونَها، وتَمَّ تَصْنيفُهُ عَلى أَنَّهُ فاقِدٌ عَقْلَه “مَجْنون”، لا يَعْلَمونَ ما هِيَ الفَائِدَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيهِ مِنْ وَراءِ أَفْعالِهِ “المَجْنونَة”. وإِن ادَّعوا ذَلِكَ يَصِفونَهُ فَقَطْ بِالجُنون؛ أَفْعالٌ تُنافي الحَياةَ والمُجْتَمَعَ مِنْ عاداتٍ وتَقاليد، ونَنْسَى أَنَّ هَذِهِ العَادات أو التَّصَرُّفات التي يُسَمُّونَها “طَبيعِيَّة” هِيَ مَوضوعِيَّة، أَيْ هُم البَشَرُ مَنْ حَدَّدوها. وقِسْ على هذا كُلَّ شَيء؛ طَريقَةُ الأَكْلِ وطَريقَةُ الحَديثِ وطَريقَةُ الحُبِّ والتَّعبيرِ عَن الحُب. كُلُّ هذا وأَكثَرُ تَمَّ تَحْديدُهُ مِنْ قِبَلِ الإِنْسانِ أَوأَغْلَبِيَّةِ المُجْتَمَعِ عَلى مَرِّ الزَّمَن. ولا نَنْسى أَنَّهُ تَمَّ تَحْديدُ هَذِهِ العادات والأَفعال “الطَّبيعِيَّة” بِناءًا عَلى مَنْطِقٍ وشُعورٍ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الأَغْلَبِيَّة. لكِن، في أَصْلِ الشَّيء، هذِهِ “الأَفْعالُ الطَّبيعِيَّة” لَيْسَتْ مِحْوَرَ الكَوْنِ وطَبيعِيَّةً كَما يَدَّعون، وإِنَّما تَمَّ الاتِّفاقُ عَلَيْها عَبْرَ الزَّمَن.

لَو افْتَرَضْنا أَنَّ هُناكَ شَخْصٌ يَبْلُغُ مِنَ العُمْرِ ثَلاثينَ عاماً، وقَدْ قامَ هذا الشَّخْصُ بِالتَّحَدُّثِ في مَوْضوعٍ مُعَيَّنٍ “مَوضوعِيّ” مِنَ البَشَر، عَلى سَبيلِ المِثال “السِّياسَة” بِصورَةٍ عامَّة، أَمامَ طِفْلٍ مُكْتَمِلٍ عَقْليّاً يَبْلُغُ مِنَ العُمْرِ تِسعَ سَنَوات، هَلْ الطِّفْلُ سَوفَ يَفْهَمُ كَلامَ الرَّجُلِ في السِّياسَة؟! وأَيْضاً ماذا سَوْفَ يَجولُ في خاطِرِ الطِّفْلِ تِجاهَ الرَّجُلِ وهُوَ يَتَحَدَّثُ في السِّياسة؟! في أَغْلَبِ الأَحْيان، لَنْ يَفْهَمَ هذا الطِّفْلُ كَلامَ الرَّجُل، وبِالنِّسْبَةِ لَهُ أَنَّ الرَّجُلَ “يَقومُ بِالحَديثِ في مَوضوعٍ لا يُفْهَمُ مَعناهُ أو المَغْزى مِنْه. نَسْتَذْكِرُ أَنَّ المَجْنونَ “يَقومُ بِأَفْعالٍ لا نَفْهَمُها ولَا نَفْهَمُ مَغْزاها”، ومَعَ العِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ “العَاقِلَ البَالِغَ” الذي تَحَدَّثَ في السِّياسَة، هُوَ يَتَحَدَّثُ “كَلامًا صَحيحًا ومَنْطِقِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِلمُجْتَمَع”، لا أَسْتَطيعُ الجَزْمَ أَنَّ المَجْنونَ هُوَ شَخْصٌ عَلى دِرايَةٍ أَكْبَرَ ومَرْحَلَةٍ أَعْلى مِنَ المُجْتَمَع، لِأَنَّني أَنْظُرُ مِنْ زَاوِيَةِ الطِّفْل!.

السيكوباث أو الاعْتِلالُ النَّفْسِيّ

في الأَساسِ يَعْتَبِرُ “العُلَماءُ” أّنَّ عَامِلَ الوِراثَةِ هُوَ الَأساس، حَيْثُ تَنْتَقِلُ الخُصَلُ بِالجيناتِ مِنَ الآباءِ إِلى الأَبْناء، كَما تُوْجَدُ” نَظَرِيَّاتٌ” مِنَ البَشَرِ أعزَت الحالَةَ إِلى خَلَلٍ في الهُرموناتِ والجِهازِ العَصَبِي. لَكِن، ما هُوَ السَّيكوباث؟… هُوَ بِاخْتِصار، أَكْثَرُ الشَّخْصِيَّاتِ تَعْقيداً بِالنِّسْبَةِ لِلأَطِبَّاءِ والبَشَر، ومِنَ الصَّعْبِ التَّعَرُّفُ عَلى صاحِبِها، حَيْثُ أَنَّ مَنْ يَمْتَلِكُ هَذِهِ الصِّفات، يُجيدُ تَمْثيلَ دَوْرِ إِنْسانٍ “عاقِلٍ” بِالنِّسْبَةِ لِلمُجْتَمَع. كَما أَنَّ لَهُ القُدْرَةَ على التَّأثيرِ في الآخَرين والتَّلاعُبِ بِأَفْكارِهِم ويَتَلَذَّذُ في ذَلِك. مِنْهُم مَنْ يَتَلَذَّذُ في إِلْحاقِ الأذَى ومِنْهُم مَنْ يَتَلَذَّذُ في نَشْرِ السَّلام، بِحَيثُ أَنَّهُ يَتَلَذَّذُ فَقَطْ في الشَّيءِ الذي يُحِبُّ مُمارَسَتَه. الأَذى والسَّلامُ هما مِنَ الأَشياءِ المَوضوعِيَّة، وإِذا سَأَلْنا أَنْفُسَنا كَيْفَ لِلأَذى أَنْ يَكُونَ مَوضوعِيًّا؛ فَلْنَنْظُر قَليلاً إِلى المازوخِيِّين… عِنْدَ مُقابَلَتِهِ رُبَّما تُبْهِرُكَ لَطافَتُهُ وقُدْرَتُهُ على اسْتيعابِ مَنْ أُمامَهُ بِمُرونَةٍ في التَّعامُلِ وشَهامَتِهِ الظَّاهِريَّةِ المُؤَقَّتةِ وَوُعودِهِ البَرَّاقَة، لَكِن ما الذي يَدْفَعُهُ لِلتَّمْثيلِ هَكذا؟!، لِسَبَبٍ بَسيط، أَنَّهُ يَتعايَشُ بِمَوضوعِيَّةٍ مَعَ البَشَرِ مِنْ عاداتٍ وسُلوكاتٍ وقِيَم.

لَكِن، عِنْدَما تَتَعامَلُ مَعَهُ لِفَتْرَةٍ كَافِيَةٍ أَو تَتَحَرَّى حَوْلَهُ مِنْ أَحَدِ مُقَرَّبيهِ عَنْ تاريخِه، تَجِدُ أَنَّ حَياتَهُ مَليئَةٌ بِتَجارُبِ فَشَلٍ وتَخَبُّط، والأَفْعالُ ” اللَّا أَخْلاقِيَّة” المَوضوعِيَّة مِنَ البَشَر. هذا الشَّخْصُ غَالِباً ما يَكونُ مُسْتَغَلّاً لِلْجِنْسِ بِكُلِّ صُوَرِ الاسْتِغْلال، وكَثيرَ الوُعودِ قَليلَ التَّنْفيذِ لَها، نَتيجَةً عَنْ حَياتِهِ المَليئَةِ بِالمَشاكِل، وقَدْ يَصِلُ سُلوكُهُ إِلى ارْتِكابِ “جَرائِم” ومِنْها “جَرائِمَ جِنائِيَّة”، يَجِبُ أَنْ أَسْتَذْكِرَ أَنَّ الأَفْعالَ الإِجْرامِيَّةَ هِيَ مِنْ تَصْنيفِ البَشَر، وأَيْضاً مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَكونَ فِعْلُهُ لارْتِكابِ الجَريمَة، هُوَ ناتِجٌ عَنْ حُب. هِيَ شَخْصِيَّةٌ في النِّهايَةِ لا يَهُمُّها إِلَّا نَفسُها، والأَشْخاصُ الذينَ يَتَعَلَّقونَ بِهِم كَحالِ مُعْظَمِ البَشَر، لا يَهُمُّهُم إِلَّا مَلَذَّاتُهم فَقَط، ويَشْعُرُونَ أَنَّها مِحْوَرُ الكَون، كَحالِ مُعْظَمِ البَشَر، وبَعْضُهُم يَنْتَهي بِهِ الأُمْرُ في السِّجْن، وبَعْضُهُم يَصِلُ إِلى رُتَبٍ قِيادِيَّةٍ في المُجْتَمَع، هذا الشَّخْصُ الذي يَمْتَلِكُ هذِهِ الصِّفات لا يَحْمِلُ كَثيراً مِنَ “الأخلاقِيَّاتِ” أو “العُرفِ” أو “الدِّين”، لِسَبَبٍ بَسيط، أنَّهُ كَما يَعْتَقِدُ ويَجْزِمُ أَنَّها مَوضوعِيَّةٌ مِنَ البَشَر.

بِالتَّالي إِنَّ مُؤَشِّرَ المُحَصِّلَةِ يَكونُ دائِماً في حَالَةٍ مِنَ المَيْلِ المُسْتَمِرِّ نَحوَ الغَرائِزِ ونَحْوَ تَحْقيقِ ما تَطْلُبُهُ النَّفْسُ مِنْ شَهواتٍ وحتَّى دونَ الشُّعورِ بِالذَّنْبِ أَو تَأنيبِ الضَّمير. هذا شَيءٌ طَبيعِيٌّ إِنْ صَحَّ التَّعبير، بِالنِّسْبَةِ إِلَيه، أَنْ لا يَشْعُرَ بِالذَّنْب، لأَنَّها مَوضوعِيَّةٌ مِنَ البَشَر. حَسبَ الإحْصائِيَّاِت العِلْمِيَّةِ التي تُوَضِّحُ أَنَّ مِنْ نِصْفِ بالمائة إِلى واحِدٍ بالمائَةِ مِنْ سُكَّانِ العالَمِ يَحْمِلونَ صِفاتٍ وجيناتٍ وِراثِيَّةٍ تُؤَدِّي إِلى السَّيكوباثِيَّة، وتَخْتَلِفُ شِدَّةُ ودَرَجَةُ السَّيكوباثِ حَسَبَ دَرَجَةِ ذَكاءِ الشَّخْصِ والبيئَةِ والتَّعَلُّم… كَحالِ أَيِّ شَخْص. في بَلْدَةِ ليتْوانيا خِلالَ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الثَّانِيَة، يَعيشُ الفَتى الثَّرِيُّ هانيبال، ويُشاهِدُ المَذابِحَ التي يَرْتَكِبُها جُنودُ النَّازِيَّة، ويَفِرُّ هانيبال مَعَ أُسْرَتِهِ مِنَ القَلْعَةِ التي كانُوا يَعيشُونَ فِيها. بَيْنَما تَتَقَدَّمُ القُوَّاتُ النَّازِيَّةُ لِيَخْتَبِؤُو في كُوخٍ مُتَواضِع، وتَموتُ أُمُّهُ جَرَّاءَ قُنْبُلَة، ولَا يَتَبَقَّى لَهُ سِوى أخْتِهِ الصَّغيرَة، ثُمَّ يَنْتَقِلانِ مِنْهُ إِلى مَخْبَأٍ مُؤَقَّت، ويَعْثُرُ عَلَيْهِما بَعْضُ الجُنودِ الرُّوسِ و يَخْتَبِؤُونَ مَعَهُم، وعَانوا جَميعَهُمْ مِنَ البُرودَةِ القَارِصَةِ و الجوعِ الشَّديدَينِ و نَقْصِ الغِذاء، مِمَّا يَدْفَعُهُم الجوعُ إِلى قَتْلِ أخْتِهِ و تَناوُلِ لِحْمِها.

يَهْرُبُ هانيبال مِنَ الكوخِ بَعْدَ تَدْميرِهِ بِالقنابِلِ ويُسَلِّمُ نَفْسَهُ لِلقُوَّاتِ السُّوفييتِيَّة، يَعيشُ هانيبال بِشَكْلٍ قاسٍ في مَلْجَأِ أيْتام، حَتَّى يَهْرُبَ مِنْهُ في وَقْتٍ لاحِقٍ إِلى باريس، بَحثًا عَنْ عَمِّهِ المَفْقود، ورَغْمَ وَفاةِ عَمِّهِ إِلا أَنَّ أَرْمَلَتَهُ الجَميلَةُ تُرَحِّبُ بِالفَتى لِلعَيْشِ في مَنْزِلِها، وعَلى الرَّغْمِ مِنَ الحُبِّ و العَطْفِ الشَّديدَينِ اللَّذَينِ يَحظى بِهِما هانيبال إلا أَنَّ الكَوابيسَ المُتَكَرِّرَةَ تُطارِدُهُ لَيْلاً بِسَبَبِ أُخْتِهِ و يُصِرُّ عَلى الانْتِقام. يُقَرِّرُ هانيبال الانْتِقامَ مِنْ مُجْرمي الحَرْب، فَيَلْتَحِقُ الشَّابُّ المُضْطَرِبُ ذِهْنِياً و المَوهوبُ دِراسِيّاً و أكاديمِيّاً بِكُلِّيَّةِ الطِّب، مِنْ أَجْلِ تَعَلُّمِ المَهاراتِ التي سَوْفَ تُساعِدُهُ و تَسْمَحُ لَهُ بِالانْتِقامِ و تَحْقيقِ العَدالَةِ و يَقومُ بِالاقْتِصاصِ مِنَ الجُنودِ الدَّمَويِّين، إِلا أَنَّ في النِّهايَةِ يَكْتَشِفُ هانيبال أَنَّهُ أيْضاً قَدْ جُبِرَ على المُشارَكَةِ في أَكْلِ لَحْمِ جَسَدِ أُخْتِه، ووَجَدَ نَفْسَهُ يَقْتُلُهُمْ فَرْداً فَرْداً كَيْ يَتَخَلَّصَ مِنْ “عُقْدَةِ الذَّنْب”.

تَطَوُّرُ الطِّفْلِ إِلى مَرْحَلَةٍ مُغايِرَةٍ لِلْمُجْتَمَع، يُؤَثِّرُ على الطِّفْل إِمَّا لِلأَفْضَلِ أَو لِلأَسوأ، تَطَوُّرُ هانيبال واضِحٌ ومَفْهوم، مِنْ طِفْلٍ يَعيشُ حَياةً مُرَفَّهَةً إِلى “وَحْش” آكِلِ لُحومِ بَشَرْ، ما مَرَّ بِهِ مِنْ ظُروفٍ وتَجارُبٍ جَعَلَتْ مِنْهُ إِنْسانًا مُخْتَلِفًا كُلَّ الاخْتِلافِ عَنْ باقي البَشَر، لا يَعْلَمُ الإِنْسانُ ماذا سَوْفَ يَحُلُّ بِهِ مَهْما حَاوَلَ مِنْ تَخْطيطِ و تَرْتيبٍ الأحْداثِ و الأُمور، لا يُمْكِّنُهُ ذلِكَ مِن مَعْرِفَةِ ما هُوَ وكَيْفَ سَوْفَ يَكون، الشَّيءُ الذي يُمْكِنُنا أَنْ نَفْعَلَهُ هُوَ الصِّراعُ مَعَ البَشَر، والتَّطَوُّرُ والمُضِيُّ قُدُماً إِلى ومِنْ أجْلِ الصِّراعِ الدَّاخِلِي، حتَّى يُقْدِمُ بِنا الحالُ إِلى شَيءٍ غَيْرَ مُتَوَقَّعٍ أَو مَدْروسٍ مُسْبَقاً. سُؤَالٌ أَطْرَحُهُ على نَفْسِيَ و عَلَيكُم، ما مَدى تَأثيرُ اللَّحَظاتِ و التَّجارُبِ التي يَمُرُّ بِها الطِّفْلُ في تَطَوُّرِهِ والمُسْتَقْبَل؟! وما هُوَ السَّبَبُ أَو العامِلُ الرَّئِيسِيُّ لِتَطَوُّرِ الخُصَلِ والصِّفاتِ لَدى الإِنْسان؟! بِمَعْنى آخر، أَنَّ الشَّخْصَ نَفْسَهُ أم الآخَرينَ و البيئَةَ المُحيطَة، مَنْ مِنْهُما هُوَ المُتَحَكِّمُ في تَطَوُّرِ الأُمور؟!

لا شَكَّ أَنَّ لِلَّحظاتِ والتَّجارُبِ تَأثيرٌ مُسْتَقْبَلِيٌّ تِجاهَ الطِّفْلِ ومَنْ هُمْ حَوْلَه، وهذا التَّأثيرُ يَتَطَوَّرُ ويَتَغَيَّرُ مِنْ خِلالِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ و أَيضاً البيئَةِ و الأشْخاص، بِحَيثُ أَنَّ الطِّفْلَ أَو الشَّخْصَ يَتْبَعُ اسْتراتِيجيَّةً أَو آلِيَّةً مُعَيَّنَةً فِطْرِيَّةً لِلتَّفْكير، أَو ما يُسَمَّى العَقْلَ الفِطْرِي، وهُوَ قُدْرَةُ الحَدْسِ عَلى إِدراكِ المَبْدأِ الأَوَّل، الاسْتِنْتاجُ أَو الاسْتِدْلالُ في عَمَلِيَّةِ التَّفْكير، حَيْثُ تُوْجَدُ مبادِئٌ أَو أسْبابٌ أَو عَناصِرٌ أَو مَعارِفٌ أَو عُلومٌ نَاجِمَةٌ عَنْ اكْتِسابِ المَعْرِفة، إِنَّنا نَعْتَقِدُ أّنَّنا نَعْرِفُ شَيئاً فَقَطْ في حَالَةِ اكْتِسابِ المَعْرِفَةِ مِنَ الأَسْبابِ الرَّئِيسيَّة، وفي حَالَةِ إِذا كَانَتْ المَعْرِفَةُ خِاطِئَةً أَو تَجْرُبَةً مَليئَةً بِالعُنْفِ و الإِجرامِ تِجاهَ الطِّفل، سَوْفَ يُقْدِمُ على مَرْحَلَةٍ مُتَطَوِّرَةٍ و أَخْطَرَ مِنَ التَّجْرُبَةِ التي تَغَذَّى مِنْها، وأَيْضاً هذا يَنْطَبِقُ عَلى الأَطْفالِ الذينَ يَكْتَسِبونَ المَعْرِفَةَ و التَّجارُبَ السَّليمَة.

أَميرْ مُرادْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *