خُبز، حريَّة، عدالة اجتماعيَّة؛ هذهِ كانت شِعارات، نِداءات، آمالُ ومطالبُ العالم. هذا جُلُّ ما يَسعى إِليهِ البشرُ منذُ الأزل. أن يكونوا شُعوبًا أحرارًا ومُنصَفين في أوطانِهم. هذه الشِّعارات لا تُفنى ولا تُستحدث من العدم، ولكن يُمكنُ تَحوُّلها من صورةٍ لِأُخرى. هذا ما يقولُه قانونُ حفظِ الطَّاقة الفيزيائيّ، وينطبقُ على الاحتياجاتِ الاجتماعيَّة والحياتيَّة الموجودة في كلِّ فردٍ من أفرادِ هذا المُجتمع الإنساني، يُمكنُ أن تتغيَّر أسماءُها أو مفاهيمُها لكنَّها تَسعى نحوَ الهدفِ نفسهِ منذُ بدءِ الخليقةِ إلى الآن.
“إنّ العدلَ أقلُّ تكلُفةً من الحرب، ومُحاربةُ الفقرِ أجدى من مُحاربةِ التَّطرُّف العَنيف”
اعتُبِرت العَدالةُ الاجتماعيَّة أساسَ هذهِ الاحتياجات، حيثُ أنَّ ماركس عدَّ العدالةَ الاجتماعيَّة على أنَّها الفضيلةَ الأولى التي ينبَغي أن تَتَّجهَ إِليها الحياةُ الأخلاقيَّة. من خلالِ إقامةِ العدالةِ الاجتماعيَّة، تَتحقَّقُ ذاتُ الإنسانِ على أساسِ الإنسانيَّة. وتأتي العَدالةُ الاجتماعيَّة تطبيقاً لِمفهومِ المساواةِ الذي نصَّ عليها الإعلانُ العالميُّ لِحقوقِ الإنسان؛ مُعتَبراً أنّ الأفرادَ يولَدونَ أحراراً ومُتساوينَ في الحُقوق. أي يَنبغي أن يتقرَّر لكلِّ إنسانٍ قَدرٌ مُعيَّنٌ من الحقوقِ الأساسيَّة بِغضِّ النَّظرِ عن إسهامِه في العمليَّة الاجتماعيَّة. أهميَّةُ العدالةِ الاجتماعيَّة في المُجتمعات الإنسانيَّة، يَحتفلُ العالمُ في الـ(20 من شهر شباط/فبراير) من كلِّ عامٍ بـ “اليوم العالمي لِلعدالةِ الاجتماعيَّة”، الذي تمَّ إقرارُه من قِبَلِ الأممِ المُتَّحدةِ بِشكلٍ رسميٍّ خِلالَ العام 2007.
“العدالةُ، يا سيِّدي، هي المَصلحةُ الكُبرى للإنسانِ على الأرض. هي الرِّباطُ الذي يحمِلُ الكائِنات المُتحضِّرة والدُّول المُتحضِّرة مَعًا، وأينَما يقفُ مَعبَدُها، وطالما تمَّ تكريمُها على النَّحوِ الواجِب، سيكونُ هُناكَ أساسٌ للأمنِ العام، والسَّعادةِ العامَّة، وتَحسينِ وتَقدُّمِ عِرقِنا” – دانيال وبستر
تُبنى العدالةُ على أساسان، هُما تكافُؤُ الفُرصِ والتَّمييزِ الإيجابي. المَقصودُ بِتكافُؤِ الفُرصِ أنَّهُ لا يوجدُ تمييزٌ بينَ المُواطنينَ مهما كانَت خَلفيَّتُهم الاجتماعيَّة عِندما يتعلَّقُ الأمرُ في المُشاركة في العمليَّة الاقتصاديَّة، ولهُم نفسُ الدَّرجة والمكانة عندَ الانتفاعِ بِالخدماتِ التي تُوفِّرُها الدَّولة، كالصِّحة والتَّعليم والقَضاء. هذا يكونُ لهُ انعكاسٌ إيجابيٌّ على جميعِ الأطرافِ المُتداخلة في المُجتمع، أمَّا التَّمييزُ الإيجابيُّ فيكونُ باعتِمادِ آليَّاتِ إنعاشٍ مُلائِمةٍ في التَّعامُلِ مع الفِئاتِ المُهشَّمة بِهدفِ السَّعي لإصلاحِ التَّمييزِ الذي مورِسَ ضِدَّهم في السَّابق. تَنُصُّ الاتِّفاقيَّةُ الدَّوليَّة لِلقضاءِ على جميعِ أشكالِ التَّمييزِ العُنصريِّ (في المادة 2) على أنَّ سياسات التَّمييزِ الإيجابيِّ قد تَكونُ مُتطلَّبًا على الدُّول التي وقَّعت على الاتِّفاقيَّة، من أجلِ تَصحيحِ التَّمييزِ المَنهجي.
يُعتبرُ موضوعُ حقوقِ المرأةِ من المَوضوعاتِ الأكثر اهتِمامًا لَدى الباحثينَ والدَّارسينَ المُهتمِّينَ بِالعدالةِ الاجتماعيَّة والتَّمييزِ الإيجابيِّ على المُستَويَين السِّياسي والقانونيّ، كونُ المرأةِ عانَت ولا زالت تُعاني في بعضِ الدُّول منَ الانتِهاكاتِ الخَطيرةِ لِحُقوقِها وحرِّيَّاتها الأساسيَّة. لذلكَ سَعت المَجموعةُ الدَّوليَّةُ إلى مُحاولةِ إيجادِ آليَّاتٍ وسُبلٍ لِلنُّهوضِ بِحقوقِ المرأة، ولعلَّ أهمَّها هُو (اتِّفاقيَّة القضاءِ على جميعِ أشكالِ التَّمييزِ العُنصري)؛ التي تُعتَبرُ الشَّرعيَّة الدَّوليَّة لِحقوقِ المرأة، والتي من خِلالِها حاوَلت الدُّول الأطرافُ أن تحدِّد الأُطرَ القانونيَّة للاعتِرافِ بحقوقِ المرأةِ وتَمكينِها من التَّمتُّع بِها وحِمايتِها. تُشكِّل اتَّفاقيَّةُ القضاءِ على جميعِ أشكالِ التَّمييزِ ضدَّ المرأة (سيداو) أهمِّيَّةً خاصَّة، كونُ الهدفِ منها هو العملُ على تَحقيقِ مبدأ المساواة، وإزالةُ أيِّ تَمييزٍ يتمُّ على أساسِ الجنسِ من شأنهِ أن يُؤدِّي إلى عدمِ الاعتِرافِ لِلمرأةِ بِحقوقِ الإنسانِ والحرِّيَّات الأساسيَّة في الميادين السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثَّقافيَّة والمدنيَّة، أو في أيِّ ميدانٍ آخر. يُعتبرُ مبدأُ عدمِ التَّمييزِ ضدَّ المرأةِ حَجرَ الأساسِ لاتِّفاقيَّة سيداو التي تَبنَّتها الأمَمُ المُتَّحدة، حيثُ انتبهَ المُجتمعُ الدَّوليُّ للانتهاكاتِ التي تَطالُ حقوقَ المرأةِ حول العالم، لِذا حَرِصَ على وجوبِ تَمتُّع المرأةِ بِحقوقِها كاملةً دونَ انتِقاص، وجعلَت أساسَ هذهِ الحقوق هو حثُّ الدُّولِ المُصادِقة عَليها على إِلغاءِ كلِّ مُعاملةٍ تَمييزيَّة ضارَّة بِالمرأةِ في قوانينِها الدَّاخليَّة تحتَ إِشرافِ لَجنةٍ أنشأتها الاتِّفاقيَّةُ بَغِيَّةَ كفالةِ العَدالةِ الفِعليَّة بينَ الرَّجل والمرأة، وتَحقيقِ المساواةِ في الفُرصِ بينَهُما، ويتمُّ اللُّجوءُ إلى اتِّباعِ تَدابيرَ خاصَّة (التَّمييزُ الإيجابي).
صادقَت ْالحُكومةُ الأردنيَّة على الميثاقِ العربيِّ لِحقوقِ الإنسانِ الذي دَخلَ حَيِّزَ التَّنفيذِ عامَ 2008، وتعهَّدت بِموجَبِه بِحمايةِ الحقوقِ المدنيَّة والسِّياسيَّة لِلمواطنينَ من دونِ التَّمييزِ على أساسِ الجِنس. كما نصّت المادَّةُ السَّادسة من الدُّستورِ الأردنيِّ على أنّ الأردنيِّينَ أمامَ القانونِ سواء. يجبُ التَّعاملُ مع المرأةِ كَشريكٍ فعَّالٍ على أساسِ مبدأ تكافُؤِ الفُرص بينَ الجِنسينِ وليسَ ضمنَ ما تُقرُّه نِسَبٌ وأرقامٌ مُحدَّدةٌ سلفا. يُعتبرُ مبدأُ التَّمييزِ الإيجابي لِصالحِ المرأةِ استثناءًا على مبدأ المُساواةِ أمامَ القانونِ بينَها وبينَ الرَّجل. يَهدفُ إلى تَرقيةِ حُقوقِها في الواقعِ من خلالِ تَكريسِ العدالةِ الفِعليَّة بينَهُما. قد كَرَّسَ المُشرِّعُ هذا الإجراءَ وإعمالِه في مجالينِ أساسيَّين، هُما ترقيةُ مُشاركتِها في المجالسِ المُنتخبةِ وحمايتِها في سوقِ العمل. ولِضمانِ مشروعيَّةِ مبدأ التَّمييز الإيجابيِّ لِصالحِ المرأةِ وعدمِ خُروجهِ عن هدفِه، فقد أُحيطَ بِشروطٍ صارمةٍ تَتعلَّقُ بِمَضمونهِ وهَدفهِ و بِمُدَّته، كما أخضعَهُ القضاءُ الدُّستوريُّ لِرقابةٍ مُشدَّدةٍ تَستهدِفُ التَّثبُّت من عدمِ وجودِ تمييزٍ تَعسُّفي، وفي مَرحلةٍ ثانيةٍ التَّحقُّق من مدى توافرِ الشُّروط المُبرّرة لإعماله.
“نحنُ نسعى إِلى بناءِ العالمِ الذي نَصبو إليه، على تكثيفِ جُهودِنا لشقِّ طريقٍ للتَّنمية يَكونُ أكثرَ شُمولًا وإنصافًا واستِدامة، ويقومُ على دعائمٍ من الحِوار والشَّفافيَّة والعدالةِ الاجتِماعيَّة” – بان كي مون
زَينْ الصُّبح