خَوفٌ وأَمان – “ذكرياتُ طِفْلَة”

خَوفٌ وأَمان – “ذكرياتُ طِفْلَة”

ذاتَ يَومٍ كُنْتُ أُشاهِدُ التِّلْفاز، لَفَتَني خَبَرٌ يَحْمِلُ عُنوان” ذِكرَياتُ طِفْلة”؛ بَدَأَتْ هذِهِ القِصَّةُ بِفَتاةٍ اسْمُها سارَة، بِأَنَّها فَقَدَتْ الأَمْنَ في بَلَدِها بِسَبَبِ الحَــرْبِ وتَنَقَّلَتْ مَعَ أَهْلِها إلى أَكْثَرِ مِنْ بَلَد، عاشَتْ طُفولَتَها خائِفَةً لا تَجِدُ الأَمانَ إِلَّا في حُضْنِ والِدَيْها. كانَتْ دائِماً تُشاهِدُ الأَخبارَ على قَنَواتِ التِّلفازِ بِأَلَمٍ مَرير. تَعيشُ ما يَكفي لِعَزلِها في دَوَّامَةٍ مِنَ الخَوف؛ فَهِيَ مُشتاقَةٌ لِأصدقائِها الذينَ فَقَدَتْهُم في الحَرْبِ اللَّعينَة، إِمَّا بِمَوتٍ مِنْ رَصاصٍ أَو مِنْ جوع، بِسَبَبِ نَقْصِ الغِذاءِ عَنْهُم نَتيجَةَ المجاعةِ التي حَدَثَتْ خِلالَ فَتْرَةِ الحَرْب. 

المَجاعَةُ وعَلاقَتُها بِالأَمْن؛ المَجاعَة: تُعْتَبَرُ نُدْرَةً في الغِذاءِ على نِطاقٍ واسِعٍ تُسَبِّبُها عِدَّةُ عَوامِلٍ بِما في ذلك:

  • الحَرب: هِيَ صِراعٌ يَحْدُثُ بَيْنَ مَجْموعَتَينِ أَو أَكْثَر، تَسعى إِحدى المَجموعاتِ إَلى تَدْميرِ أَو التَّغَلُّبِ والنَّصرِ على المَجْموعَةِ الأُخرى.
  • التَّضَخُّمُ السُّكَّاني:هُوَ الزِّيادَةُ المُتَسارِعَةُ في النُّمُوِّ السُّكَّانِي.
  • فَشَلُ المَواسِمِ الزِّراعِيَّة: تَفَشِّي الأَمراضِ في المَحاصيلِ الزِّراعِيَّةِ وعَدَمِ الاعتِناءِ بِها.
  • عَدَمُ التَّوازُنِ السُّكَّانِي.
  • السِّياساتُ الحُكومِيَّة: مِثْلَ القَمْعِ والحُروبِ الدَّاخِلِيَّةِ والفَسادِ الدَّاخِلي.

تُعْتَبَرُ المَجاعَةُ واحِدَةً مِنْ أَقْسى وأَشَدِّ المُشْكِلاتِ التي تُواجِهُ العَديدَ مِنَ المَناطِقِ حَوْلَ العالَم، حَيْثُ تَتَرافَقُ مَعَ المَجاعاتِ عَادَةً العَديدُ مِنَ المُشْكِلاتِ الأُخرى، مِنْها ارتِفاعُ مُعَدَّلاتِ الوَفِيَّاتِ والأَوبِئَة. حَيْثُ يُواجِهُ النَّاسُ خِلالَ فَتْرَةِ المَجاعَةِ جُوعاً شَديداً وقاهِراً لا نَظيرَ لَه، يَسْتَنْزِفُهُم ويُؤَدِّي إِلى مَوتِهِم أَحياناً. يُمْكِنُ الحَدُّ مِنَ المَجاعَةِ بِعِدَّةِ طُرُقٍ مِنْها:

  • تَقديمُ الأَغْذِيَةِ لِلمَناطِقِ المَنْكوبَةِ بِهذِهِ الكارِثَة، حَيْثُ تُرْسِلُ المُنَظَّماتُ الدَّولِيَّةُ في الوَقْتِ الحالي، المُساعَداتِ بِشَكْلٍ دائِمٍ ومُسْتَمِر، ودونَ انْقِطاعٍ لِلمُحتاجينِ الذينَ يُعانونَ مِنَ الجوعِ الشَّديدِ والفَقْرِ والكَوارِثِ الطَّبيعِيَّة، كَما تَتَعاوَنُ مَعَهُمْ في سَبيلِ ذلِكَ جِهاتٌ أُخرى كَالحُكوماتِ والأَفْراد.
  • زِيادَةُ حَجْمِ المَخْزونِ الغِذائِيِّ العالَمِيِّ بِشَكْلٍ يَكْفي النَّاسَ في كافَّةِ مَناطِقِ العالَم، وبالتَّوازي مَعَ ذلِك، فَإِنَّ أَبْرَزَ ما يَجِبُ الالتِفاتُ إِلَيه؛ هُوَ التَّوزيعُ العادِلُ لِلموارِدِ الطَّبيعِيَّةِ والأَغْذِيَةِ بِشَكْلٍ خاص، فَفي الوَقْتِ الذي تُعاني فِيهِ بَعْضُ المَناطِقِ مِنْ نَقْصٍ شَديدٍ في الغِذاء، تَنْعَمُ بَعْضُ المَناطِقِ الأُخرى بِكَمِّيَّاتٍ كَبيرَةٍ مِنْها تَزيدُ عَنْ حاجَتِها في كَثيرٍ مِنَ الأَحيان.
  • رَفْعُ الوَعْيِ لَدى النّاس، وخَاصَّةً المُتْرَفينَ والأَغْنِياء مِنْهُم بِضَرورَةِ الاقْتِصادِ في تَناوُلِ الطَّعامِ والمَوارِد، وعَدَمِ إِلقاءِ نِسْبَةٍ كَبيرَةٍ مِنْهُ في القُمامة، وتَغييرِ السُّلوكِيَّاتِ والعاداتِ الغِذائِيَّةِ المُتَّبَعَةِ والتي تَدُلُّ على عَدَمِ وجودِ أَدْنى شُعورٍ بِالمَسْؤولِيَّة، والتَّعاطُفُ مَعَ أولئِكَ الذينَ يُعانونَ مِنَ الجوعِ والفَقْرِ الشَّديدَينِ مِنْ كافَّةِ مَناطِقِ العالَم.
  • تَعاوُنُ النَّاسِ أَفرادًا وجَماعات في مُساعَدَةِ الآخَرينَ حَوْلَ العالَمِ مِمَّنْ يُعانونَ مِنْ أَزماتٍ غِذائِيَّةٍ شَديدَة، وخاصَّةً في أَوْقاتِ الأَزماتِ والكَوارِثِ الطَّبيعِيَّة.
  • الاهْتِمامُ بِالزِّراعَة، واسْتَصلاحُ الأَراضي، ومُكافَحَةُ التَّصَحُّر.
  • إِبْقاءُ مُعَدَّلاتِ الإِنْجابِ ضِمْنَ المُعَدَّلاتِ الطَّبيعيَّة، خاصَّةً في المَناطِقِ التي تُعاني مِنَ الفَقْرِ الشَّديد، الانْفِجارُ السُّكَّانِيُّ في بَعْضِ المَناطِقِ يُساهِمُ بِشَكْلٍ كَبيرٍ في ظُهورِكافَّةِ أَنْواعِ المُشْكِلات، وعَلى رَأْسِها المَجاعات، ويُمْكِنُ القِيامُ بِذلِكَ مِنْ خِلالِ إِعْدادِ الخُطَطِ التَّوعَوِيَّة، وتَوعِيَةِ النَّاسِ بِأَهَمِّيَّةِ تَنْظيمِ النَّسْل.
  • اسْتِغلالُ التَّقَدُّمِ العِلْمِيّ، والتَّطَوُّرِ التِّقَنِيِّ الحاصِلِ في تَطويرِ نَوْعِيَّةِ الغِذاءِ المُقَدَّمِ لِلنَّاس، وزِيادَةِ كَمِّيَّتِه، حَيْثُ يَسعى المُخْتَصُّونَ والعُلَماءَ والمَسؤولونَ إِلى رَفْعِ كَفاءَةِ التُّرْبة، وتَحسينِ عَلَفِ الحَيوانات، وإِبقاءِ المُزارِعينَ في أَراضيهِم، ومَنْعِ هِجْرَتِهِم إِلى المُدُن.

جَميعُ هذِهِ الحُلولِ التى تَمَّ ذِكْرُها، تُساعِدُ في تَوفيرِ كَمِّيَّاتٍ كَافِيَةٍ مِنَ الغِذاءِ والأَمْنِ لِكافَّةِ المُحْتاجينَ حَولَ العَالم. الاسْتِقرارُ هُوَ الطَّريقُ إِلى مُجْتَمَعٍ مُتَطَوِّر، لِذلِكَ إِذا لَمْ يَكُنْ هُناكَ اسْتِقرارٌ سَواءً سِياسِيّ، أو اقْتِصادِيٍّ أو اجتِماعِيٍّ في البُلْدانِ التي تُعاني مِنَ الحُروبِ والمَجاعاتِ لا يَتَوَفَّرُ فيها الأَمن. ما هُوَ الأَمْن؟ هُوَ الاطْمِئْنَانُ النَّاتِجُ عَنْ قُدْرَةِ الدَّولَةِ عَلى تَأمينِ أَمْنِ الإَنْسان (الأَمنُ الإنْسانِي) بِالحاجاتِ الأَساسِيَّةِ لِلنَّفْسِ وأَمْنِها مِنَ الفَقْرِ والحِرْمانِ مِنَ الخَوفِ والعُنْف. بَرَزَتْ أَهَمِّيَّةُ تَحْقيقِ الأَمْنِ الإِنْسانِيِّ عَلى جَميعِ الأَصْعِدَة؛ فَهُوَ يَشْمَلُ إِصلاحَ المُؤَسَّساتِ الدَّاخِلِيَّةِ اللّازِمَةِ لِضَمانِ الأَمْنِ الشَّخْصِيِّ والسِّياسِيّ، وضَمانِ اسْتِقلالِيَّةِ الفَرْد، وذَلِكَ لِتَحْقيقِ الحُصولِ على التَّعْليم، والرِّعايَةِ الصِّحِّيَّةِ المُلائِمَةِ وتَوفيرِ سَكَنٍ كَريم، وضَمانِ حُرِّيَّةِ التَّعبير، وحِمايَةِ الفّرْدِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلعُنْفِ والإَيذاءِ وتَكافُؤِ فُرَصِ العَمَلِ بِما يُعَزِّزُ شُعورَ الفَرْدِ بِالانْتِماء، وبِالتَّالي النُّهوضَ بِالمُجْتَمَعِ اقْتِصادِيًّا وسِياسِيًّا وحَضارِيًّا. هُناكَ مَجْموعَةٌ مِنَ الخَصائِصِ مِنْها:

  • مَفْهومٌ شامِلٌ لِكُلِّ دُوَلِ العالَمِ بِجَميعِ إِمْكانِيَّاتِها، نَظرًا للتَّهْديداتِ الخَارِجِيَّةِ المُشْتَرَكَةِ التي تُؤَثِّرُ عَلى الأَفْرادِ في كُلِّ مَكان، كَالإِرْهابِ والمُخَدَّرات، لِذلِكَ فَإِنَّ أَيَّ تَجاوُزٍ يُؤَثِّرُ على أُمْنِ الإِنْسانِ يَسْتَوجِبُ تَدَخُّلاً مِنْ كُلِّ الدُّوَلِ لإِيقافِهِ ومَنْعِ تِكْرارِه.
  • يَهْتَمُّ بِأَمانِ النَّاسِ والظُّروفِ المُتَعَلِّقَةِ بِكُلِّ شَخْصٍ لِتَحقيقِ العَدالَةِ الاجْتِماعِيَّة؛ فَهُوَ يَبْتَعِدُ عَنِ الحُلولِ العَسْكَرِيَّةِ لِحَلِّ المُشْكِلات، ويُرَكِّزُ على الاهْتِمامِ بِالأَفرادِ والتَّنْمِيَةِ البَشَرِيَّة.
  • أَهَمُّ شِعارٍ لِلأَمْنِ الإِنْسانِيِّ هُوَ “الوِقايَةُ خَيْرٌ مِنَ العِلاج”، لِذلِكَ يَتِمُّ الحِرْصُ على تَجَنُّبِ حُصولِ المُشْكِلاِت وحَلِّها قَبْلَ تَفاقُمِها، بَالتَّالي تَجَنُّبَ حُصولِ الصِّراعاتِ بَيْنَ الأَفْرادِ في المُجْتَمَعِ الوَاحِد.

مَجالاتُ الأَمْنِ الإِنْسانِيّ، يَعْتَمِدُ مَفْهومُ الأَمْنِ الإِنْسانِيِّ عَلى عِدَّةِ مُرْتَكَزات، ومِنْ هذِهِ المُرْتَكَزات:

  • الأَمْنُ الاقْتِصادِيّ: ويَتَضَمَّنُ أَهَمِّيَّةَ تَوافُرِ دَخْلٍ يَتَناسَبُ مَعَ احتِياجاتِ النَّاسِ بِما يُؤمِّنُ لَهُمْ سَكَنًا مُلائِمًا وحَياةً كَريمَة، وتأمينِ فُرَصِ عَمَلٍ تَتَناسَبُ مَعَ الكَفاءَات، والحِرصِ عَلى تَحْقيقِ العَدالَةِ الاجْتِماعِيَّةِ بِالتَّوزيعِ العَادِلِ لِلمَوارِدِ والعَوائِد.
  • الأَمْنَ الغِذائِيّ: أَنْ تَتَوافَرَ لَدى جَميعِ النَّاسِ القُدْرَةُ الشِّرائِيَّةُ اللّازِمَةُ لِلحُصولِ عَلى الغِذاءِ الأَساسِيِّ في كُلِّ وَقْت.
  • الأَمْنُ البِيئِيّ: حِمايَةُ الإِنْسانِ مِنَ الأَضْرارِ البِيئِيَّةِ التي تُسَبِّبُها المُمارَساتُ الخَاطِئَةُ مِنْ قِبَلِ الإِنْسانِ نَفْسِهِ أَو مِنْ قِبَلِ الدَّولَة، والمُحافَظَةُ عَلى المَوارِدِ البِيئِيَّة.
  • الأَمْنُ الصِّحِّي: أَنْ تَتَوافَرَ الرِّعَايَةُ الصِّحِّيَّةُ المُناسِبَةُ الضَّرورِيَّةُ والأَساسِيَّةُ لِجميعِ الأَفْراد، واتِّخاذُ إِجْراءاتٍ وِقائِيَّةٍ لِلْحَدِّ مِنْ انتِشارِ الأَمْراض.
  • الأَمْنُ الشَّخْصِيّ: حِمايَةُ الإِنْسانِ مِنْ كُلِّ التَّهديدَاتِ التي قَدْ تُعَرِّضُهُ لِلإِيذاءِ الجَسَدِيِّ أَو النَّفْسِيِّ مِنَ الخارِجِ أَو مِنَ الدَّولَةِ أَو مِنَ الأَفْرادِ دِاخِلِها.
  • الأَمْنُ المُجْتَمَعِي: شُعورُ الفَرْدِ بِالانْتِماءِ لِلمُجْتَمَع، وذَلِكَ بِالحِرْصِ عَلى تَأمينِ سَلامَةِ العَلاقَاتِ الاجْتِماعِيَّةِ والحِمايَةِ مِنَ التَّعَصُّبِ القَومِيِّ أَو الدِّينِيِّ أو العِرْقِيّ.
  • الأَمْنُ السِّياسِيّ: احْتِرامُ حَقِّ الإِنْسانِ في التَّعبيرِ عَنْ رَأْيِهِ وحِمايَتِهِ مِنَ القَمْعِ الذي قَدْ يُواجِهُه.

يَجِبُ أَنْ يَكونَ الاسْتِقرارُ والأَمْنُ هَدَفًا أَساسِيًّا، وذَلِكَ لِأَهَمِّيَّتِهِ الإِسْتراتِيجِيَّةِ في تَطَوُّرِ البُلْدان، والمُحافَظَةُ على الإِنْجازات، بِشَرْطِ أَنْ يَكونَ هَدَفًا مُشْتَرَكًا لِلجَميع؛ لِيَكونوا صَفًّا واحِدًا ضِدَّ النِّزاعاتِ والاخْتِلافاتِ التي تُؤَدِّي لِلفَوضى المُدِّمِّرَةِ للأَوْطانِ والأَجْيال. 

هَزَارْ مَسْعودْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *