العقلُ العَرَبِيُّ في وَرْطَة

العقلُ العَرَبِيُّ في وَرْطَة

يُؤمِنُ العَرَبُ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ مَاضِياً وحَاضِراً ومُسْتَقْبَلاً, وأَنَّ هَذِهِ الأُمَّةُ لا يُوْجَدُ مَنْ هُوَ أَقْدَرُ مِنْها عَلى الفَهْمِ والتَّحْليلِ والاجْتِهادْ وغَالِباً ما يَذْهَبونَ إِلى أَبْعَدِ مِنْ ذَلِكْ، هُمْ يَكْفُرونَ بِالتَّطَوُّرِ ويُريدونَ إِعادَةَ البَشَرِيَّةِ إِلى القَرْنِ السَّابِعِ الميلادِيِّ مُتجاهِلينَ سَيْرورَةَ التَّاريخِ ومُتَناسينَ أَنَّ الزَّمانََ لا يَعودُ لِلوَراءْ. لِذَلِكَ أَصْبَحَ العَقْلُُ العَرَبِيُّ عاجِزاً عَنْ إِنْتاجِ المَعْرِفَة؛ فَمِنْ حَيْثُ الاكْتِشافاتِ العِلْمِيَّةِ. نَحنُ أُمَّةٌ مُُسْتَهْلِكَةُ وإِنْ كانَتْ أَعدادُ الخِرِّيجينَ مِنَ الجامِعاتِِ في ازْدِيادٍ، إِلا أَنَّ هذا لا يُعَدُّ مُؤَشِّراً لِلتَّقَدُّمِ والازْدِهارِ العِلْمِيِّ والحَضارِيّ؛ جامِعاتُنا تُلَقِّنُ العِلْمَ وتَحُثُّ على الحِفْظِ ولَيْسَ على الاكْتِشافِ واخْتِباراتِهِ بِمَثابَةِ اخْتِباراتٍ لِلذَّاكِرَةِ لَيْسَ أَكْثَر.

لِماذا نُصَدِّقُ مُعْظَمَ ما يُقال؟ ولِماذا نَتَحَدَّثُ بِغالِبِ ما نَسْمَعُ دونَما التَّحَقُّقُ مِنَ المَصادِرْ؟! لِماذا لا نُفَكِّرُ بِمَدى نَفْعِ أَوْ ضَرَرِ ما يُقال؟ لِماذا تَعْبُرُ الكَلِماتُ مِنَ الأذُنِ إِلى اللِّسانِ مُباشَرةً دونَ المُرورِ بِالعَقْل؟! لِماذا نَعْتَمِدُ عَلى مَصادِرِ المَعْلوماتِ كَمَرْجِعٍ ثابِتٍ وبِثِقَةٍ مُبالَغٍ فيها بِدونِ مُبَرِّرٍ عَقْلِيّ؟! إِنَّنا نَعْجَزُ عَنْ رُؤْيَةِ الحَقائِقِ بِوُضوح. لا نَزِنُ الفِكْرَ والكَلامَ بِميزانِ المَنْطِقِ فَشِعارُنا هُوَ “مَنْ تَمَنْطَقَ تَزَنْدَق” إِلى الحَدِّ الذي جَعَلَنا نَزْهَدُ في تَحْصيلِ المَعْلومات، ونَزْهَدُ في إِشْغالِ العَقْلِ بِالبَحْثِ والقِراءَةِ والتَّأَمُّلِ والتَّدَبُّر. باتَتْ المُغالَطاتُ المَنْطِقِيَّةُ مُنْدَسَّةً في الفِكْرِ العَرَبِيِّ وكَلامِه، وخَيَّمَ الجُبْنُ العَقْلِيُّ الذي غَيَّبَ الإِرادَةَ العَقْلِيَّةَ في التَّساؤُلِ والنَّقْدِ والتَّحْليل.

إنَّ الأُمَّةَ العَرَبِيَّةَ في القُرونِ المَاضِيَةِ رُبَّما أَنْتَجَتْ آلافَ الشُّعَراء، ولكِنَّها عَجِزَتْ عَنْ إِنْتاجِ عَالِمٍ واحِد. كُلَّما تَساءَلْتُ عَنِ السَّبَبِ سَيَبْدَأُ التَّغَنِّي بِالماضي والعَصْرِ الذَّهَبِيّ، وبِكُلِّ غُرورٍ وهَنْجَعَةٍ سَيَقولونَ أنَّ سَبَبَ تَقَدُّمِ الغَرْبِ في العُلومِ يَعودُ لِلأُصولِ العِلْمِيَّةِ التي وَضَعوها، مُتَناسيينَ أَنَّ الغَرْبََ اسْتَفادَ مِنْ أَمْثالِِ ابْنِ رُشْدٍ وغَيْرِهِ إِلا أَنَّهُم لَمْ يَجْعَلوهُم تَماثيلَ وأَصْنام، بَلْ تَجاوَزوهُمْ وحَقَّقوا تَقَدُّمًا كَبيراً بَيْنَما بَقِيَتْ الأُمَّةُ العَرَبِيَّةُ عاجِزَة، في حَالَةٍ مِنَ الخَوْفِ والخُمولِ والتَّرَدُّدْ واكْتَفى بِالنَّسْخِ والتَّقْليدِ والتِّكْرارِ لِلمَوروثِ ولِفِكْرِ الأَجْدادِ الصَّالِحينْ. هُوَ يُعاني مُنْذُ عُقودٍ طَويلَةٍ مِنَ الجُمودِ والقَهْر، عَقْلٌٌ سَطْحِيٌّ لا يَسْتَطيعُ اتِّخاذَ القَراراتِ أَو مُواجَهَةَ التَّحَدِّياتِ المَعْرِفِيَّةِ والعِلْمِيَّةِ والفَلْسَفِيَّة، عَقْلٌ بِلا إِرادَة. والإِرادَةُ أَساسُها الحُرِّيَّةُ والعَلاقَةُ طَرْدِيَّة؛ فَبَيْنَ العَقْلِ الحُرِّ والإِرادَةِ الإِنْسانِيَّةِ كيمياءٌ صَلْبَة، وَرَغْبَةٌ تَفاعُلِيَّةٌ كَبيرَة، وعِنْدَما تَقْوى الإِرادَةُ يَسْتَجيبُ العَقْلُ ويَبْدأُ بِالإِنْتاجِ فَيَتَحَقَّقُ النَّجاحُ بِالجُهْدِ والعَمَلِ والتَّفْكيرِ البَنَّاء.

نَعَمْ لَقَدْ نَزَلَ القُرآنُ عَرَبِيّاً بِلِسانٍ عَرَبِيٍِّ وبَدَأَ الإسْلامِ بِجَزيرَةِ العَرَبْ، وصاحِبُ شَريعَةِ الإِسْلامِ عَرَبِيّ، ولكِنَّ العَرَب بَعْدَ الخِلافاتِ الرَّاشِدَةِ لَمْ يُسْهِموا ولَوْ بِذْرَةً بِتَأْسيسِ العُلومِ الإِنْسانِيَّةِ وعُلومِ الحَضارَة، بَلْ إِنَّ ازْدِهارَ الإِسْلامِ في العُصورِالذَّهَبِيَّةِ لَمْ يَكُن مَرهوناً بِهِم، حَيْثُ أَنَّ وُجودَِ الطَّائِفَةِ العِلْمِيَّةِ الغَرْبِيَّةِ في عَهْدِ الخِلافاتِ الإِسْلامِيَّةِ جَعَلَ مِنْ دِيانَتِهِم الإِسْلامِيَّةَ تَحْصيلًا حَاصِلًا. ابنُ سينا العالِمُ الكَبيرُ وأَوَّلُ مَنْ اكْتَشَفَ التِهابَ السَّحايا، صاحِبُ كِتابِ “القَانونِ في الطِّبْ” ولُقِّبَ بِأَبو الطِّب، وقَدْ أَلَّفَ 2000 كِتابٍ في الطِّبِّ وُلِدَ في بُخارى أُوزْبَكِسْتان، وقَدْ اتُّهِمَ بالإلْحادِ والزَّنْدَقَة، عَبَّاسْ بِنْ فِرْناسٍ الذي اشْتُهرََ بِصِناعَةِ الآلاتِ الهَنْدَسِيَّةِ ورَصْدِِ الكَواكِب، وأَوَّلُ مَنْ حَاوَلَ الطَّيَرانَ كانَ أَمازِيغِيًّا مِنْ إِسْبانيا. الفارابي الطَّبيبُ الحاذِقُ والمُعَلِّمُ الثَّاني أُُسْوةً بِأَرِسْطو المُُعَلِّمِ الأَوَّل، منْ أُصولٍ كازاخِسْتانِيَّة، تَمَّ تَكْفيرُهُ واتُّهِمَ بِالإِلْحاد. ابْنُُ حَيَّان مِنْ أُصُولٍٍ إِيرانِيَّةٍ بَرُعَ بِعُلومِ الكيمْياءِ ولُقِّبَ بِأَبو الكيمياء، لَمْ يَسْلَمْ مِنْ تُهْمَةِ التَّكْفيرِ والزَّنْدَقَة، ابْنُ رُشْدٍ مِنْ قُرطُبة الإِسبانِيَّة، اشتُهِرَ بِشَرْحِهِ لِكِتاباتِ أَرِِسْطو وعُرِفََ بِكِتابِهِ “تَهافُتُ التَّهافُت”، الذي دَعَا فِيهِ إِلى اسْتِخْدامِ التَّفْكيرِ التَّحْليلِيِّ لِتَفْسيرِ القُرآنِ الكَريمْ، أُطْلِقَ عَلَيهِ لَقَبُ الفَيْلَسُوفِ الضَّالِّ المُلْحِد. ابْنُ بَطُّوطَةٍ الرَّحَّالِ الشَّهير، أَمازِيغِيّ، سيباوي فَارِسِيُّ الأَصْلِ أَشْهَرُعُلَماءِ اللُّغة. الرَّازي أَشْهَرُ أَطِبَّاءِ الإِنْسانِيَّةِ كانَ فَارِسِيّاً، ابْنُ الهَيْثَم الذي وُلِدَ في العُصورِ العَبَّاسِيَّةِ وأَلَّفَ أَكْثَرَ مِنْ 200 كِتابٍ في مَجالاتٍ عَديدَةٍ كَالرِّياضِيَّاتِ وعُلومِ الفَلَكِ والفيزْياءِ والفَلْسَفَة، تَمَّ تَسْفيهُهُ واتِّهامُهُ بِالخُروجِ عَنِ الإِسْلام.

أَسْبابُ عَجْزِ العَقْلِ العَرَبِيِّ عَنْ إِنْتاجِ المَعْرِفَة

إِنَّ الفَلْسَفَةَ بِثَوبِها العَرَبِيّ، خَسِرَتْ رِهانَها ومَعْرَكَتَها التَّاريخِيَّة، في مُواجَهَةِ الجَهْلِ والاسْتِبْدادِ والأَفْكارِ الظَّلامِيَّة. عَلَتْ أَصْواتُ التَّكْفيرِ بَدَلاً مِنَ التَّفْكيرِ وَرَجَحَتْ كَفَّةُ الفُقَهاءِ عَلى كَفَّةِ الفَلاسِفَة، وشاعَتْ الأَساطيرُ والخُزَعْبَلاتُ وانْكَمَشَتْ الحَقائِق. اغْتيلَتْ حُرِّيَّةُ التَّفْكيرِ فَتَوَقَّفَ كُلُّ شَيءٍ مَكانَهُ وتَحَجَّرَ وأُصيبَ العَقْلُ العَرَبِيُّ بِحالَةٍ مِنَ الضُّمور. بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الإِسْلامَ كَرَّمَ العَقْلَ إِلا أَنَّ الفِكْرَ الرَّجْعِيَّ بِأَبْعادِهِ وتَفاصيلِهِ مَكَثَ فَوْقَ الوَعْيِ الاجْتِماعِيِّ قُروناً طَويلَة، أَدَّتْ إِلى تَراجُعِ وانْحِسارِ دَوْرِ العَقْلِ فانْفَصَلَتْ الثَّقافَةُ العَرَبِيَّةُ عَنِ السُّؤالِ والنَّقْد. كَما أنَّ العَلاقَةَ المُرْبِكَةَ لِلعَقْلِ العَرَبِيِّ مَعَ الدِّينِ والسِّياسَةِ التي جَثَمَتْ فَوْقَهُ لِقرون، وابْتِعادُ هذا العَقْلِ عَنِ النَّقْدِ والتَّحْليلِ والتَّفْكيكِ ضَيَّقَتْ أَنْفاسَه؛ فَهُوَ يُواجِهُ قَمْعَ السُّلْطَةِ السِّياسِيَّةِ والدِّينِيَّةِ ويُعاني مِن اسْتِبْدادِ الأَنْظِمَةِ العَرَبِيَّةِ التي أَحْكَمَتْ السَّيْطَرَةَ على العَقْلِ العَرَبِيّ، وقَامَتْ بِقَولَبَتِهِِ وصِياغَةِ مفاهيمِ الفِكْرِ بَعيداً عَنْ شَرْطِ تَطَوُّرِه، أَلا وَهُوَ الحُرِّيَّةُ حَيْثُ نَصّبتْ هَذِهِ الأَنْظِمَةُ نَفْسَها وَصِيَّةً عَلى العَقْلِ العَرَبِيِّ وتَحَكَّمَتْ بِكَينونَتِه، وأَخْضَعَتْهُ لإِرادَتِها وأَهْلَكَتْهُ بِضَنَكِ الحَياةِ والبَحْثِ عَنْ لُقْمَةِ العَيْش. بِالعَوْدَةِ إِلى العَقْلِيَّةِ الشِّعْرِيَّةِ العَرَبِيَّةِ مالذي يَجْعَلُ مِنْ ثَقافَتِنا ثَقافَةً شِعْرِيَّةً بِامْتِياز؟ وبِالمُقابِلِ مَحْدودَةَ الإِنْتاجِ المَعْرِفِيّ؟

إنَّ العَقْلَ العَرَبِيَّ هُوَعَقْلٌ تَرادُفِيٌّ يَفْتَقِرُ إِلى الدِّقَّة؛ الأَبُ هُوَ الوالِدُ والقِسْطُ تَعني العَدْلَ وجاءَ بِمَعنى أَتى ولِذلِكَ يَسْتَخْدِمُ العَرَبُ الشِّعْرَ كَثيراً في التَّعْبير، لِأنَّ الشِّعْرَ لا يُعيبُهُ التَّرادُفُ والخَيالُ والكَذِبْ،بَينَما المَنْهَجُ العِلْمِيُّ أَحْوَجُ ما يَكونُ لِلدِّقَّةِ وهذا يُفَسِّرُ كَثْرَةَ الشُّعَراءِ ونَدْرَةَ العُلَماء. كَما يَتَّسِمُ العَقْلُُ العَرَبِيُّ بِأَنَّهُ قِياسِيٌِّّ يَحْتاجُ لِمَرجِعٍ ونُسْخَةٍ أَصْلِيَّةٍ لِيَقيسَ عَليها، وهذا يُبَرِّرُعَجْزَهُ عَنِ الابْتِكارِ والإِبْداع. وهُنا يَتَساوى المُؤْمِنُ والمُلْحِد، المُؤْمِنُ بِحاجَةٍ لِمثالٍ مِنَ القَرْنِ السَّابِعِ والمُلْحِدُ بِحاجَةٍ لِمثالٍ مِنَ المَرْجِعِيَّةِ المارِكْسِيَّة. الاتِّصالِيَّةُ العَقْلِيَّةُ التي تَبْحَثُ عَنِ المَسْموحِ والمَمْنوعِ والحَلالِ والحَرام، عِوَضاً عَنِ العَقْلِ النَّقْدِيِّ الذي يَسْعى لَلبَحْثِ بَيْنَ الحَقيقَةِ والوَهْم أَضْعَفَتْ بَصَرَهُ وأَغْشََتْ الرُّؤيَة، فَنَحْنُ نُواجِهُ الاخْتِراعاتِ الجَديدَةِ بِالسُّؤَالِ إِنْ كانَ حُكْمُها حَلالٌ أَمْ حَرامٌ بَدَلاً مِنْ أَنْ نَسْأَلَ عَنْ كَيْفَ أُنْتِجَتْ هذِهِ المَعْرِفَة، ونُنْفِقُ الملايينَ لِفَتْحِ المَساجِدِ ولكِنَّنا عاجِزونَ عَنْ إِنْفاقِها في سَبيلِ إِنْشاءِ المَدارِسِ ومَراكِزِ البُحوثِ العِلْمِيَّة.

في مُحاوَلَةِِ فَتْحِ النَّوافِذِ لِلنَّظَرِ في كَيانِ العَقْلِ العَرَبِيِّ الدُّوغمائِي، وفي هَذِهِ السَّاحَةِِ الثَّقافِيَّةِ العَرَبِيَّةِ غَيرِ القَابِلَةِ لِلْهَضْمِ ولا لِلتَّمْثيلِ ولا لِلتَّحَوُّلِ إِلى دَمٍٍ يُغَذِّي ويَمْنَحُ القُدْرَةَ عَلى النَّماء، سَنَجِدُ أَنَّ الذَّاتَ العَرَبِيَّةَ الرَّاهِنَةَ تَفْتَقِدُ اسْتِقلالَها التَّامَّ لِأَنَّها تَسْتَمِدُّ فَعالِيَّتَها ورُدودَ فِعْلِها مِنْ مَرْجِعِيَّتينِ اثْنتَينِ مُتَنافِسَتَيْنِ ومُتَعارِضَتَين، وهُما مَعاً مُنْفَصِلَتانِ عَنِ الذَّاتِ العَرَبِيَّة. أَعْني أَنَّهُما تَنْتَمِيانِ إِلى عَالمَينِ لا يُعبِّرانِ تَعْبيراً مُطابِقاً عَنْ عَالَمِ العَرَبِ اليَوم، إِحداهُما تَنْتَمي إِلى المَاضي العَرَبِي الإِسْلامِيّ والثَّانِيَةُ تَنْتَمي إِلى الحَاضِرِ والمُسْتَقْبَلِ الأُوروبِيّ. إِنَّ تَحَكُّمَ هاتَينِ المَرْجِعِيَّتَين، المَرْجِعِيَّةُ التُّراثِيَّةُ العَرَبِيَّةُ الإِسْلامِيَّةُ والمَرْجِِعِيَّةُ المُعاصِِرَةُ الأُوروبِّيَّةُ في الذَّاتِ العَرَبِيَّةِ في تَوجيهِ تَفْكِيرِها ورُؤاها، هُوَ ما نَعْنيهِ بافْتِقارِها إِلى الاسْتِقْلالِ التَّام، عَلى صَعيدِ الوَعْيِ والفِكْرِ كَما عَلى صَعيدِ السُّلوكِ والفِعْل. وذلِكَ إِلى دَرَجَةِ أَنَّنا أَصْبَحْنا نَحْنُ العَرَبُ اليَومَ لا نَسْتَطيعُ إلَّا نَادِراً التَّفْكيرَ في أَيِّ قَضِيَّةٍ مِنْ قَضايانا إِلَّا مِنْ داخِلِ إِحْدى المَرْجِعِيَّتَينِ المَذْكورَتَين، وفي كِلْتا الحَالَتَينِ يَكونُ فِكْرُنا في وادٍ وواقِعُنا في وادٍ آخَر، وبِالتَّالي تَغْدو الذَّاتُ العَرَبِيَّة، كَفِكرٍ وكَفاعِلِيَّةٍ وسُلوك، مُوَزَّعَةً بَيْنَ فكرٍ مُغْتَرِبٍ في الماضي أَو عِنْدَ الغَيْرِ وبَيْنَ سِجْنٍ مُظْلِمٍ هُوَ سِجْنُ الواقِعِ الذي لا يُنيرُهُ فِكرٌ ولا يَحْكُمهُ عَقل.

نَجْوى أَبو زَهْرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *