فوضى الدِّماغ – 2

فوضى الدِّماغ – 2

هل تَسائَلتَ يوماً! عن ما الذي يَفعلهُ الإنترنت في عُقولِنا؟!

دَعني أُخبرُكَ عن هذا المَوقفِ الغَريب، ربَّما حدثَ معكَ كَثيراً…! بَّما قد تَكونَ مُستَغرَقًا في قِراءَةِ مقالٍ أو مُشاهدةِ فيديو يُعجِبُك؛ ومع ذلكَ تَجدُ نَفسكَ قد توقَّفتَ عن القِراءةِ أو المُشاهدةِ وقُمتَ بِإلقاءِ نَظرةٍ على شيءٍ آخر؛ وحتَّى أنَّكَ انتقلتَ إلى تَطبيقٍ آخرٍ مثلَ واتسآب أو فيسبوك مثلاً. ومع ذلكَ تعودُ مرَّةً أخرى لِإكمالِ القِراءةِ والمُشاهدَة، لأنَّهُ كما قُلنا أنتَ مُعجَبٌ بِالمُحتوى وتَرغَبُ في إِكمالِه! هَل حَصلَ معكَ هذا المَوقف مِن قبل؟ إنَّهُ أمرٌ عجيب! لكــن ما الذي يَجعَلُكَ تتوقَّف وتَصرِف انتِباهكَ لِأمرٍ آخر؟

دَعونا نَتعرَّف على الإِجابة

لكن في البِدايةِ دَعونا نُقارِن بينَ الإنترنت والكُتبِ كوســــائِلٍ لاكتِسابِ المَعرِفة. إنَّ هيكلَةَ الكِتابِ عادةً ما تُغطِّي موضوعًا واحدًا بِعُمق، وأنَّهُ مُرتَّبٌ بِشَكلٍ مُتَسلسِل، بِحيثُ كُلُّ فِكرةٍ تَنقُلكَ لِفكرَةٍ أعمقَ وأكثرَ تَفصيلاً. نتيجَةَ هذهِ الهَيكلَةِ تَدفَعُكَ وتُساعِدكَ على التَّركيزِ والتَّعمُّقِ في موضوعِ الكِتاب. أمَّا إن كُنتَ تَقرأُ مقالًٍا على الإنترنت وأنتَ بِــكامِلِ تَركيزِكَ حتَّى وإن كانت المقالةُ عن التَّركيز! سَتجِد أنَّ الصَّفحةَ التى تَقرأُ فيها مَليئَةً بِعشراتِ الرَّوابطِ والأزرارِ التى تَدعوكَ للضَّغطِ عليها لِلقيامِ بِشىءٍ آخر غَيرَ الاستِمرارِ في قراءةِ المقالة! إذن، المُخُّ البَشريُّ فُضوليٌّ جِدًّا لِأبعدِ الحُدود، ويُحِبُّ التَّعرُّضَ واكتشافَ الأشياءِ الجَديدة بِاستِمرار. وكُلُّ رابطٍ موجودٍ بِالصَّفحةِ يَنقُلكَ لِشيءٍ جديدٍ مُختَلفٍ عن الذي تَقرأُه أو تُشاهِده.

نَستَنتِجُ ممَّا سبق…! بِأنَّ الإنترنت لا يُساعِدُ على التَّركيزِ والتَّعمُّقِ في شيءٍ واحد، بَل على العَكس، هوَ يُشجِّعُكَ على التَّشتُّت والتَّنقُّل السَّريع بينَ الصَّفحاتِ والتَّطبيقاتِ المُختلفة. لكنَّ، الكتابَ كأداةٍ يَدفعُك للتَّعمُّق أكثرَ في موضوعٍ واحِد بينَما الإنترنت يُبقيكَ على السَّطحِ في مواضيعٍ مُتفرِّقة قبلَ أن تَبدأَ في التَّعمُّقِ في أيِّ شيءٍ سَتَجِد نَفسكَ قد انتَقلتَ إلى شيءٍ جديد. ماذا لو شَبَّهنا الأمر بِالبَحر؟! الكِتابُ يُشجِّعُك على الغوصِ في العُمقِ بينَما الإنترنت يَجعلُكَ تَتنقَّل في الأماكن السَّطحيَّة الضَّحلة لِلمعرِفة. حتَّى إنَّ عمليَّةَ القِراءةِ نفسها تَختَلفُ ما بينَ الإنترنت والكِتاب، كثيراً ما نَجدُ أنفُسنا نَقرأُ على الإنترنت قَد يكونُ بِدونِ قيمة، أو تكونُ غيرَ مُتأكِّدًا إذا ما تَقرأُهُ سَيُفيدُك فِعلاًَ أم لا. الكثيرُ منَّا وبِدونِ وعي، تَعوَّدَ على القِراءةِ السَّريعةِ والتى تَسمَّى Skimming مِثلَ قراءَةِ الجَرائِد، حَيثُ أنَّ عيناكَ تَقفِزُ بينَ العِباراتِ والفَقَراتِ وأحيانًا تَكتَفي بِالعناوين فقط؛ بالتَّالي تَركيزُك وفَهمُك لِما تَقرأُة سَيكونُ أقل، أي أنَّ مُستوى فَهمِك وتركيزِك يَكونُ سطحيًّا وضحل.

لكن ما هي المُشكلةُ في القَفزِ بينَ الصَّفحاتِ والتَّنقُّل السَّريع بين التَّطبيقات والرَّوابط؟!

بأن أي مَعرفةٍ قد قرأتَها أو طَّلعتَ عَليها سوفَ تُحفَظُ بما يُسمَّى بِالذَّاكرةِ قصيرةِ الأمد وبَعدها تَنتقلُ بِبُطىءٍ إلى الذَّاكرةِ طويلةِ الأمد وهي التى تَبقى مَعَكَ ويُمكنُك الاعتِمادُ عَليها لاحقاً في عَملِكَ وحياتِكَ أيضاً. التَّركيزُ أو الانتِباهُ هي الوسائلُ التى تُنقَلُ بها المَعرفةُ من الذَّاكرة قصيرةِ الأمدِ إلى الذَّاكرةِ طويلَةِ الأمد. إذن، التَّنقُّل السَّريع بينَ الموضوعاتِ المُختلفة لا تُعطي الوقتَ الكافي لِدماغِنا لِنقلِ ما تعلَّمتَهُ للذَّاكرةِ طويلةِ الأمد بالتَّالي، تَخسرُ الكثيرَ ممَّا تقرأ وتُشاهد على الإنترنت. ماذا لو نَظرنا إلى أكبرِ الشَّركات التى تَستخدِم مواقعَها وشبكاتِها بِشكلٍ يوميٍّ مثل جوجل وفيسبوك وتويتر، سَتُلاحظ بأنَّ هناكَ مُشكلةً كبيرةً جدًّا، وهي أنَّ المَصدرَ الأساسي لِلرِّبح في كُلِّ هذهِ الشَّركات هو الإعلانات، فكُلَّما عرضوا إعلاناتٍ أكثرَ لِلمُستخدمين، كُلَّما كانت أرباحُهم أكبر، ولِذلكَ كثيرًا ما يُوصفُ نشاطُ هذهِ الشَّركات باقتِصادِ جذبِ الانتِباه Attention Economy. ربَّما جوجول وفيسبوك يُقدِّمونَ لك خَدماتِهم دونَ مقابلٍ مادِّي مُباشر؛ لكن هذا لا يَعني أنَّهُم يُقدِّمونهُ مجَّاناً! وإنَّما يُقدِّمونَها مقابِلَ جزءٍ من تركيزِكَ وانتِباهِك! نعم، فَهُناكَ صراعٌ شرسٌ بينَ كلِّ تلكَ الشَّركات والمواقع للاستِحواذِ على تركيزِك ووقتِك لِعرضِ أكبر قدرٍ من الإعلانات.

دعنا نَقومُ بِتحليلِ الأمرِ قليلاً: إن كنتَ تقضي ساعةً من يومك على اليوتيوب، فإنَّ مصلحةَ يوتيوب أن تُشاهدَ في تلكَ السَّاعة 20 أو 30 فيديو. لأنَّ هذا يُقابلهُ عرضُ عددٍ أكبر من الإعلانات، وبالتَّالي رِبحٌ أكبر للشَّركات، فتَجِد بأنَّ المَوقعَ يُغريكَ دائِما بِمقاطعِ فيديو مُقترحةً في كُلِّ مكان. ورغمَ كلِّ ما قُلناهُ عن يوتيوب، إلا أنَّهُ أفضلُ حالاً من باقي الشَّبكات الاجتماعيَّة مثل فيسبوك وإنستجرام وتويتر، فلو كانت فترةُ الانتباهِ على اليوتيوب تُقدَّر بالدَّقائق فهي على فيسبوك وانستجرام تُقدَّر بالثَّواني.

ماذا لو تأمَّلتَ شخصًا أثناءَ استِخدامِه لهذهِ الشَّكباتِ والمواقع! فَستجِدُه يُحرِّك أصابعَه على الشَّاشة كلَّ عدَّة ثواني لكي يرى منشورًا جديدًا أو صورةً جديدة. هو فعليًّا لا يُركِّزُ على منشورٍ سِوى ثوانٍ معدودة، بالإضافةِ إلى ذلك، مُعظَم المنشورات عادةً ما تكونُ مُتنوِّعةً جداً، ما بينَ ما هو ساخرٌ ودينيٌّ وسياسيٌّ ورياضيٌّ وهكذا. نحنُ فعلاً نجعلُ دِماغنا يَقفزُ كلَّ عدَّةِ ثوانٍ بينَ موضوعاتٍ مُختلفةٍ تمامًا.

إذن، ما هي المُشكلةُ في كلِّ ما ذكرناهُ سابقاً:

  • أوَّلُ مُشكِلةٍ هي: إنَّ معظَمَ المُحتوى الذي نَطَّلعُ عليهِ على السوشال ميديا هو محتوى سَطحيّ؛ ولا أقصِدُ هُنا بأنَّ كُلَّ المُحتوى تافِه، لكن حتَّى لو كانَ المُحتوى مفيد، عادةً ما يعرِضُ لكَ هو قشور لا تَبني أيَّ معرفةٍ حقيقيَّة، وإن كانت لِلأسفِ تُعطي البَعضَ بما يُسمَّى وَهـــمُ المَعرِفة.
  • ثاني مُشكِلةٍ هي: هي أنَّ التَّنقُّلَ السَّريعَ بينَ الأفكارِ والموضوعاتِ المُتنوِّعةِ يَصعُبُ على مُخِّك الاحتفاظُ بِالمعرِفة التى تَطَّلعُ عَليها، أي حتَّى أنَّه عِندما تَصِل لِمُحتوى مُفيد ومُتعمِّق، فإِنَّ مُخَّكَ لن يُمكِنَه الاستِفادة منه بِشكلٍ مُناسب.
  • ثالثُ مُشكِلةٍ هي: هي تُعتبرُ أخطرَ مُشكلة، هي أنَّنا عندَ استِخدامِ الانترنت ومواقِع التَّواصُل الاجتماعيّ بهذا الشَّكلِ يوميًّا؛ فَنَحنُ وبدونِ قَصدٍ نُدرِّبُ أدمِغتنا ومُخَّنا تدريبًا مُكثَّفًا على التَّشتُّت وعََدم التَّركيز.

حَجمُ المُشكلة فعليّاً وتأثيرُها على حياتِك: بالتَّالي، نحنُ نُقوِّي ونُدرِّب الدَّوائِر العصبيَّة على عادةِ التَّشتُّت وطَلَبِ الجديدِ بِشكلٍ مُستمر. لِلأسفِ فإنَّ التَّشتُّت وضعفُ التَّركيز هذا ليسَ مُقتِصرٌ فقط على الوقتِ الذي تَستِخدم فيهِ الإنترنت ومواقع التَّواصل الاجتماعي؛ فإنَّ التَّشتُّتَ وعدمَ القُدرةِ على التَّركيز يَظلَّانِ مَعك عِندما تَعود إلى عملِك ودراستِك أيضًا. بدونِ القُدرةِ على التَّركيز لِفترةٍ معقولةٍ سَيُصبحُ من الصَّعبِ عليكَ التَّعمُّق في أيِّ موضوعٍ أو عَملٍ مُهمٍّ تَقومُ به، ومن الصَّعبِ أيضاً أن تَتميَّزَ في عملِك أو في دِراستِك، ومن الصَّعبِ أيضاً أن تُحقِّق طُموحَك من أهدافٍ ومشاريع.

هل هي حقًّا مُشكلةٌ كبيرةٌ إلى هذا الحد؟! دعني أُخبِرُك كيف؛ بالرَّغم من إضاعةِ الكثيرِ من الوقتِ على الإنترنت، وهي تُعتبَرُ أيضًا مُشكلةً كبيرةً ولا يُمكنُ تَخطِّيها، إلا أنَّها ليست أكبرَ من مُشكلةِ إِدمانِ التَّشتُّت وعَدمِ القُدرةِ على التَّركير، لأنَّك حتَّى لو ضيَّعتَ نِصفَ اليومِ على الإنترنت ولا زالَ بِإمكانِك التَّركيز في عَملِك أو دِراستِك باقي اليَوم، فَغالِباً سَتُحقِّق قَدرًا جيِّدًا منَ الإنجاز، لكن وبِكلِّ أسفٍ هذا لن يَحــــصُل. فَعندَ عودتِك لِعملِك أو دِراستِك، لن تَستطيعَ التَّركيزَ لِفتراتٍ طويلَةٍ بِشكلٍ يَسمحُ لكَ بِالإنجازِ وإحرازِ التَّقدُّم المَطلوب، سُرعان ما تَشعر بِالمللِ وتَشعر بالحاجةِ لِتلبيَةِ طلبِ دِماغكَ في التَّعرُّضِ لِشىءٍ جديدٍ مُختلف، فَتعود مرةً أُخرى للسوشال ميديا والموبايل أو الإنترنت.

حــتَّى…! لو مَنعتَ نَفسكَ منَ الرُّجوعِ للإ نترنت ومواقِع التَّواصُل، فإنَّكَ بِالأحرى سوفَ تَشعُر بِالرَّغبةِ بِعملِ أيِّ شيءٍ اّخر لا يتطلَّبُ التَّركيز، فَرُبَّما تَنهض من مكانٍ لِتبحثَ عن شخصٍ تَتَحدَّث مَعَه، أو تَبحث عن شيءٍ لِتأكُلَه أو أيِّ شيءٍ مُختلِف. بِالحقــيقــةِ إنَّ إدمانَ التَّشتُّت يَتخطَّى حاجزَ الشُّعورِ بِالملل، فَمخُّكَ أصبحَ يُدمِنُ التَّشتُّت، فَبين المُخِّ والتَّشتُّت أصبحَت علاقةُ حُب، فالدِّماغُ أصبَحَ يُحبُّ التَّشتُّتَ وليسَ هُروبًا من المَلَل.

لهذا هو سَببُ المَوقفِ الغريبِ الذي شَرحتُه لك في أوَّلِ الفِكرة، وهو أنَّك حتَّى لو كُنت تَقرأُ أو تُشاهدُ محتوى يُعجِبُك ولا تَشعُر بأيِّ مَلَل، فإنَّكَ ستجِد نَفسك تَتوقَّف رَغمَ ذلكَ عن القراءَةِ أو المُشاهدةِ وتَذهَب لِفعلِ أيِّ شيءٍ آخر ولو لِعدَّةِ ثواني، وكأنَّ مُخَّكَ كانَ يحتاجُ إلى جُرعةٍ منَ التَّشتُّت ليسَ إلَّا..! الأمرُ غريب، أليسَ كذلك؟! لا بُدَّ بأن تُقارن نِسبةَ التَّركيزِ لديكَ قبلَ استِخدامِ الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعيّ وبعدَ استخدامِها. بهذا نَكونُ قد عَرِفنا المُشكلةَ وحَجمَها، إذن ماذا عَلينا أن نفعل؟ وهذا ما سَنُجيبُ عليهِ في الفِكرةِ القادِمة.

سأقومُ بِتهنِئتِك إذا قُمتَ بِقراءةِ المقالِ إلى هُنا دونَ تَشتُّت

لَعلَّكُم تَسائَلتُم طوالَ الوقتِ ماذا!… أفعل إذن؟

لا عليك، سأُخبِرُك! ماذا نفعَل إذن؟ لقد قرَّرنا أنَّ الإنترنت لِمُعظمِنا لا يُمكنُ الاستِغناءُ عنه، بالتَّالي هُناكَ بعضُ النَّصائِحِ التى سَنُقدِّمُها ستكونُ في إطارِ التَّقليلِ منَ الضَّررِ بِقَدرِ الإِمكان. اليوم مَعنا 5 نَصائِحٍ تُساعِدُنا على تحقيقِ ذلك:

  1. ما قَلَّ وكفى خيرٌ ممَّا أكثرَ وألهى:دعنا نَشرَحُها بِبساطة…! فِكرةُ التَّقليلِ تَتخطَّى التَّخلُّصَ ممَّا هو غير مُفيد، الفِكرةُ هنا تَشمَلُ التَّخلُّصَ من الأشياءِ التى بِها قَدرٌ منَ المَنفعة، لكن تَكلُفةُ امتِلاكِها أكبرُ منَ المَنفعةِ نَفسها التى تَعودُ عليكَ مِنها. لِنرى كيفَ يُمكِنُ أن نُطبِّقَ مبدأ ” ما قلَّ وكفى” في حياتِنا: اكتُب قائمةً بِكلِّ الشَّبكاتِ والتَّطبيقاتِ والمواقِعِ التى تأخُذُ منكَ جُزءًا كبيرًا من وقتِكَ يوميًّا، وبعدَ ذلكَ مُر على كلِّ عُنصُرٍ في هذهِ القائمةِ واسأَل نَفسكَ الأسئِلةَ التَّالية:
  • السُّؤالُ الأوَّل: هل هذا العُنصُرُ يُضيفُ لكَ قيمةً أو مَنفعةً واضِحةً في حَياتِك؟

لو كانَ كُلُّ ما يُقدِّمُهُ هذا العُنصُر أو التَّطبيقُ هو التَّسليةُ فقط فهذهِ مُشكِلة! من حقِّكَ طبعاً أن تتسلَّى وتُرفِّهَ عن نَفسِك. لكن شبكات التَّواصُل الاجتماعيّ ومواقع الإنترنت من أسوَأ الطُّرق التى تَفعلُ بِها ذلك. وهذا بِسبَبِ قابليَّتِها للإِدمان، بِالإضافةِ كونَها تُؤثِّرُ سلباً ذِهنيًّا وجسديًاً ونفسيًاً. فالأفضلُ أن تَبحثَ عن وسيلَةٍ أُخرى للتَّسليةِ والتَّرفيه. فإن كانت إجابَتُك على السُّؤال بـِ لا إذن عليكَ التَّوقُّف عن استِخدامِ هذا التَّطبيق أو العنصر. أغلِق حِسابك واحذِف التَّطبيق من موبايلك. أمَّا إذا كانت إجابتُك بـ نعم بالفِعل هناكَ قيمةٌ ومنفعةٌ حقيقيّةٌ …انتقل للسُّؤال الثَّاني!

  • السُّؤالُ الثَّاني: هل هذا التَّطبيق أو العُنصر هو أفضلُ وسيلةٍ للحصولِ على تلكَ المَنفعة؟

إن كُنتَ تستخدمُ إنستجرام مثلًا لمتابعةِ حسابٍ معيَّن مُفيد، هل تِلك الفائدةُ لا يمكنُ الحصولُ عَليها بشكلٍ أفضل ومكانٍ آخر؟ إن كانَ هُناك حسابٌ عن تطويرِ الذَّات على الإنستجرام يُشاركُ فيه المنشوراتِ المفيدة مثلا. قطعًا يُمكنكَ الحصولُ على نفسِ الفائدةِ وأكثرَ من مكانٍ آخر، فلا تُقيِّد نفسكَ بالإنستجرام وتَخلَّص منه! إن كانَ هذا العنصرُ هو ماسنجر الفيسبوك مثلًا. والفائدةُ التى تحصُل عليها منهُ هي التَّواصلُ مع الأصدقاءِ ألا يُمكنكَ القيامُ بذلكَ عن طريقِ الواتساب إن كنتَ تستَخدمُه! فعليًّا، لسنا بحاجةٍ إلى 3 أو 4 وسائلٍ للتَّواصل؟! تذكَّر أنَّ “ما قلَّ وكفى خيرٌ ممَّا كثُرَ وألهى” واكتفِ بواحدِ فقط حتَّى لو كنتَ سَتخسر بعضَ جهاتِ الاتِّصال. فعليًّا هذه الجهاتُ لو احتاجتكَ فعلًا في أمرٍ مهمّ ستتمكَّن من الوصول إليك، فلا تَقلَق!. إن كانَ هناكَ وسيلةٌ أُخرى أفضل، إذن استخدم هذهِ الوسيلة الأخرى وتوقَّف عن استخدامِ ذلك التَّطبيق أو العُنصر. لو لم يكُن هناكَ وسيلةٌ أُخرى أفضل تَحصُل علَيها منها من نفسِ القيمةِ أو المَنفعة…إذن انتقل إلى السُّؤال التَّالي!

  • السُّؤال الثَّالث:- هل الطَّريقة التى تستخدِم بها هذا العُنصر هي أفضلُ طريقةٍ لِتحقيقِ المَنفعةِ مِنه؟

إن كُنت ترى أنَّ يوتيوب مثلًا يُقدِّم لكَ منفعةً وقيمةً حقيقيَّةً يصعُب الحصول عَليها من أيِّ مكانٍ آخر. هل تَرى أنَّك تستخدمُه بالطَّريقةِ التى تُعظِّم تلكَ المَنفعة مِنه فِعلاً؟ أم أنَّ مُعظمَ الوقتِ الذي تقضيهِ عليه يَضيعُ في أشياءٍ أُخرى غير المنفعةِ التى حدَّدتها؟ إذا كنتَ تستخدمه بالطَّريقةِ المُناسبة… أحسنت… استمر في ذلك. أم لو غيَر ذلك إذن ستحتاجُ لتغييرِ طريقَةِ استِخدامكَ لَه، أسهلُ ما يُمكِنُك فِعلُه هو أن تُنظِّفَ شبكات التَّواصلِ الاجتماعيَّة بِشكلٍ دوريٍّ من مُتابعةِ الكثيرِ من الحساباتِ غيرِ المُفيدة أو ذات فائِدةٍ أقل وضعيفة، اختر أفضلَ الحساباتِ في مجالٍ مُعيَّن، لا تُتابع كلَّ ما يقعُ في طريقِكَ ظنًّا منكَ أنَّك تَحصل بِهذا على فائدةٍ كبيرة -أنصحُ بِالقراءة عن غُرفة الصَّدى– لأنَّ ذلك سيقومُ بِتشتيتِك وتَضييعِ تركيزِك ووقتِك، وسَتُقلِّل من فُرصتِك في تَطبيقِ ما تَتعلَّمه من تلكَ الحِسابات. آخر نُقطةٍ نودُّ ذِكرها في هذه النَّصيحةِ هي أنَّك إن لم تَكُن صادقًا مع نفسك وإجابتِك على الأسئلةِ السَّابقة! فهذا يعني أنَّك لا تُساعد نَفسك، إن لم تتمكَّن من مُساعدةِ نفسك لن يَتمكَّن أحدٌ من مُساعدتِك!

  1. تخلَّص من فوبيا فواتِ الأشياء!:وجودُ الإنترنت معنا في كلِّ مكانٍ أصابنا بِنوعٍ من التَّخوُّف بما يُسمَّىFear of missing out الخوفُ من فواتِ الأشياء. الشَّخص الذي كان يخرُج من بيتِه في الماضي بدونِ أيِّ وسيلةِ اتِّصالٍ مع أنَّه سيقضي معظمَ يومهِ خارجَ المنزل، أصبحَ لا يستطيعُ الابتعادَ عن الهاتف ولو لِنصفِ ساعة! وإن خرجَ من المنزلِ واكتشفَ أنَّه نسيَ الهاتف، تجده يرجِع مرَّة أخرى ليُحضِره حتى لو كان تأخَّر عن عمله. أصبَحنا نشعُر بِضرورةٍ زائفةٍ لمتابعةِ الأحداث أوَّل بأوَّل، نشعُر أنَّنا لو انقطَعنا عن الإنترنت لِفترةٍ طويلةٍ سَتفوتُنا أُمورٌ عظيمةٌ لا يُمكنُ تَعويضُها. هو فعليًّا شعورٌ زائفٌ يَنتجٌ عن إدمانِ التَّفحص المٌستمر للإنترنت وشبكاتِ التَّواصل الاجتماعي. ولكن، يُمكنك تدريبُ نفسِك على الآتي:
  • من وقتٍ لآخر جرِّب قضاءَ يومٍ كاملٍ بهاتف قديمٍ بلا اتِّصال بالإنترنت، على الأقل سَتكونُ مطمئِنًّا أنَّ في حالةِ كانَ هناكَ أمرٌ عاجلٌ سيتمكَّن من يحتاجُ إليكَ من الاتِّصال بكَ بشكلٍ مُباشر.
  • من وقتٍ لآخر اخرُج من البيتِ لِقضاءِ بعضِ المشاوير القريبة أو حتَّى للتَّمشيةِ بدون هاتفٍ أو بدون أيِّ وسيلةِ تواصُلٍ أُخرى، فلا تخف! منذُ 15 عام فقط كانَ الجميعُ يخرُجون من بيوتِهم بدونِ هاتف، لأنَّه لم يكن قَد انتشرَ بينهُم أصلاً، ولا أحد كانَ يعيشُ في قلقٍ مُستمرٍّ من حُدوثِ شيءٍ بدونِ عِلمِهم.
  • أغلِق أحدَ حساباتِك على السوشل ميديا لعدَّة أيَّام من وقتٍ لآخر، جرِّب قفلَ أحدِ حساباتك التى تستخدمها يوميًّا، أو احذِف التَّطبيق من الموبايل لعدَّة أيَّام، وستكتَشف بعدَ عودتِك أنَّه لم يَفُتكَ شيءٌ يَستحِق!.
  1. إتَّبع نظامَ جلساتِ العمل:وهي أن تَختار شيئًا واحدًا فقط تَعملُ عليهِ لفترةٍ زمنيَّةٍ مُعيَّنةٍ من 15 إلى 30 دقيقة، ولا تَقُم بشيءٍ آخر غيرَ العملِ على هذا الشَّيء فقط، هذا الأسلوبُ بالإضافةِ لِكَونه سَيزيدُ من إنتاجيَّتك في العمل أو الدِّراسة، فهو أيضًا يعتبرُ تمرينًا على التَّركيز. إِليك بعضُ النَّصائح تُساعدُك على النَّجاحِ في تطبيقِ هذا الأسلوب:
  • لا تضع هاتفكَ الذَّكي بجانِبك إن كنتَ تَستخدِمه، قُم بِوضعِه بعيداً عن مجالِ رؤيتِك، ضعهُ داخلَ درجٍ أو أيِّ مكانٍ بعيدٍ عن يَديك ونظرِك. لا تَنسى ضبطَ الهاتفِ على الوضعِ الصَّامت أو وضعِ الطَّيران حتَّى لا تُشتِّتك أصواتُ الإشعارتِ المُختلفة.
  • قائمةُ المشتّتات خلالَ جلسةِ العمل؛ دماغُك الذي تعوَّد على التَّشتُّت سَيُحاول التَّفكيرَ في أيِّ شيءٍ آخر، خلالَ قيامِك بِجلسةِ العملِ جهِّز ورقةً وقلم لِتكتُب فيها الأمور التى سَيُذكِّركَ بِها دِماغُك لِتطمئِنَّ أنَّك لن تَنساها وتَتمكَّن من عَملِها بعدَ الانتِهاء من جلسةِ العَمل، اكتُبها ثمَّ عُد للتَّركيزِ في عملكَ أو دراستِك مُباشرة، وبعدَ الانتِهاءِ يُمكنكَ إلقاءُ نظرةٍ على قائمةِ المُشتِّتات وعمل مايَستحق العملُ مِنها فِعلاً.
  • برامجُ حجبِ المواقع، هنالكَ بعضُ البرامجِ التى تَحجبُ التَّطبيقات والمواقع لِفترةٍ زمنيَّة محدَّدة، وهي برامجٌ تضعُ فيها قائمةً بالمواقع التى تُشتِّتك وتختارُ حَجبَها من جِهازِك لِفترةٍ زمنيَّة أنتَ تقومُ بِتحديدِها. أنصحُكَ باستِخدامِ برنامج اسمه CLOD Turkey.
  • لا تُضحِّي بنصيبك من العُزلة، الإنسان بحاجةٍ للإنعزالِ من وقتٍ لآخر، ولكن لِينعزِل مع أفكارهِ يتأمَّلها ويُحلِّلها، لكن هذا أصبحَ صعبًا حاليًّا، ففي ظِلِّ التَّواصل المُستمر الذي نعيشُه، أصبحَ دِماغَنا في حالَةِ اتِّصالٍ واستقبالٍ دائم بِدونِ فُرصةٍ للتَّأمُّل والتَّحليل.
  • مواقعُ التَّواصل الاجتماعي على وجهِ الخُصوص تَسبَّبت بظاهرةٍ غريبة؛ وهي أنَّها تحرمكَ من إيجابيَّات العُزلة، وفي نفسِ الوقتِ تُعطيك سلبياتها. فإنَّ من أشهر سلبيَّات العزلةِ هو الشُّعور بالوحدة ، بالرَّغم من الاتِّصال والتَّواصل المُستمر، مواقعُ التَّواصل الاجتماعي تَجعلُك في حالةِ مُراقبةٍ دائِمةٍ لِعشراتِ الأشخاصِ إن لم يَكُن المئات، فَتعرِف أحوالَهُم وأخبارَهُم. وهذا يَنتُج عنه مقارنةَ حالِك بحالِهم، ولأنَّ النَّاس تُشاركُ عادةً أَفضلَ لحظاتِهم هذا إن لم يصطَنِعوها؛ فيتسبَّبُ هذا في إحساسِكَ بالشَّفقةِ على نفسكَ لأنَّك لستَ مِثلهُم ويُشعرُك بالانعزالِ عنهم، ويُعطيكَ إحساسًا بأنَّ حياتَكَ مُملَّةٌ ليس فيها ما يستحِقُّ المُشاركة! العُزلة مُهمَّة لِنضوجِ الأفكار، وصعبٌ أن تَحصلَ عَليها وأنتَ طوال الوقتِ مُمسكٌ بِنافذةٍ مفتوحةٍ على أحوالِ مئاتِ النَّاسِ يتواصلونَ مع بعضِهم، وتُتابع حياةَ وأفكارَالبعضِ الآخر. النَّصيحةُ هنا. عوِّد نفسكَ على الجُلوس أو المشيِ وحدكَ مع أفكارِك، بِدونِ أيِّ مُشتِّتاتٍ كالموبایل، وبِدونِ اتِّصالٍ أو تواصُلٍ مع أيِّ شخص.
  1. كُن واعياً بِحجمِ المُشكلة،هذه النَّصيحةكان يجبُ أن تكونَ أوَّل نصيحة، لكنَّني أخَّرتُها للنَّهاية لعلَّ هذا يُساعدكَ على تذكُّرها بشكلٍ أفضل، مُعظمُ البشرِ بكلِّ أسفٍ لا يُحسِنونَ تقديرَ الأمورِ التى تأخُذ فترةً طويلةً من الزَّمن؛ سهلٌ جداً أن تُقلِّل من حجمِ مُشكلةِ ضعفِ التَّركيز والتَّشتُّت إن كانَ ضَررُها عليكَ على مُستوى اليومِ لا يُذكر، لكن تذكَّر أنَّ مجموعَ تأثيرِها خلالَ سنواتٍ قد يُشكِّل الفرقَ بينَ إنسانٍ ناجحٍ وفي حالةٍ ماديَّةٍ ومعنويَّةٍ مُرتفعة، وبين شخصٍ محبطٍ يشعُر أنَّ سنينًا من عُمره ضاعت بدونِ أيِّ إنجازٍ يُذكر.

مصادرُ العلمِ والمعرفةِ أصبحت مُتاحة، وأصبحَ الوُصولُ إِليها أسهل من قبل، لكنَّ القُدرة على اكتِساب العلمِ والمعرفةِ أصبحت أصعب، والسَّببُ الأساسيُّ هو ضعفُ قُدرتِنا على التَّركيز والصَّبر. البَعضُ يشتكي أنَّ فيديو عِلمي مُدتُه 10 دقائق ويرى أنَّ مُدَّتَه طويلةٌ بالنِّسبة له، والبعضُ الآخر لم يَعُد لديهِ القدرة على قراءةِ مقالٍ طويل، فما بالُك بالكُتب، الشَّخصُ الذي يمتلِك القدرةَ العاليةَ على التَّركيزِ لِفتراتٍ جيِّدة لديهِ نُقطةُ تفوُّقٍ كبيرة، وفُرصتُه في تَحقيقِ أهدافِه ومشاريعِه تُصبحُ أكبرَ بمراحلٍ ممَّن يترُك نفسهُ لِمُغرِياتِ التَّشتُّت ويَنتظر من الآخرين أن يُقدِّموا لهُ العلمَ بطريقةٍ مُسليةٍ مُمتعةٍ في كبسولاتٍ يبتلعُها بسرعةٍ بدونِ تعبٍ وملل، ولا يدرك أنَّ أقصى ما سيحصُل عَليه بهذهِ الطريقة هو مجرَّدُ قشور، وليسَ معرفةً حقيقيَّةً يُمكنُ الاعتمادُ عليها في عملِه وحياتِه. إن كُنتَ قد قرأتَ المقالَ من بدايتِه حتَّى هذه الصَّفحةِ في جلسةٍ واحدةٍ وبدونِ أن تتشتَّت بأمورٍ أُخرى، فهذا شيءٌ يدعو للتَّفاؤل. لكن كُن على حذرٍ بشكلٍ دائم، فُقدرتُكَ في خطرٍ إن تَركتَ نفسكَ لاستِخدام الإنترنت بدون وعي. أتمنَّى أنَّ يكونَ هذا المقال لهُ تأثيرٌ إيجابيٌّ على حياتِكُم المُختلفة.

أحمد السَّطري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *