في تمامِ السَّاعة السَّابعة مساءً كالعادة، إلى مكانِ التَّصوير، في ليلةٍ شديدةِ البُرودة، والأمطارُ تتساقطُ بِغزارة، الشَّوارعُ مُمتلئة بالسَّيارات، فكلٌّ منها تحملُ بداخِلها روايةً إمَّا واقعيَّة أو مُخمليَّة، أبطالُها بين البَساطةِ وبين المالِ بِلا تعب، مشاعرُ تلكَ الحلقةِ كانت مُختلفةً تماماً عن باقي الحلقات، كانت ما بينَ مرارةِ القهوةِ في الموضوع، وبين سُكَّرِها في الطَّرح.
يا جَماعة On air
1،2،3 Action
أعزَّائي المُشاهدين عُدنا لكم من جَديد، في برنامجِكُم المُفضَّل “تلفزيون خربان”، وكما عوَّدناكُم دائماً في فقرةِ أخبار السَّاعة عالسَّماعة، سنتناولُ اليوم عالسَّماعة موضوعَ دورِ الإعلامِ في مُواجهةِ الأزمة، ومدى تأثيرِ وسائِله على الأزمة؟!
وسائلُ الإعلام هي الكيانُ الأقوى على وجهِ الأرض. لَديهِم القُدرة على جعلِ الأبرياءِ مُذنبين وجعلِ المُذنبين أبرياء، وهذهِ هي القوَّة. لأنَّها تتحكَّمُ في عقولِ الجماهير – مالكوم إكس
بينَ الحينِ والآخر، يَحدثُ تغيُّرٌ على الوسائلِ الإعلاميَّة في يومِنا هذا، بِسببِ التَّطوُّر السَّريع في التِّكنولوجيا، وتعدُّدِ التَّطبيقاتِ المُتاحةِ في عالَمِ الاتِّصالاتِ والرَّقميَّات، وأصبحنا نَسعى في إيجادِ وسائلٍ جديدةٍ مُناسبة، وطُرقٍ مُتطوِّرة لإِجراءِ عمليَّةِ الرَّبطِ بينَ الرِّسالةِ والجُمهور. هذهِ الوسائِلُ الإعلاميَّة تضُمُّ منظومات، تُحدِّد مَنهجيَّتها وعمليَّة ربطِها بالجُمهور، فَتنقسِم إلى:
- الإعلام الوطنيّ؛ القوميّ: في هذا النَّوع من المَنظومةِ يَلعبُ دورًا كبيرًا في تَطوُّرِها، تَعدُّدِها، وتَنوُّعِها، هو المُستوى الحضاريّ لهذا المُجتمع، من النَّاحيةِ (التَّعليميَّة – الثَّقافيَّة – الاتِّصاليَّة – الإمكانيَّات الماديَّة – البشريَّة المُتوفِّرة)، ومن وسائلِ إِعلامِ هذهِ المَنظومة (المقروء – المسموع – المرئي).
- الإعلامُ الإقليمي: تَزدادُ أهمِّية الرِّهان على الدَّور الفاعل لِلإعلامِ الإقليمي. وتَسودُ هذا الإعلام نَزعتَان، تَتمثَّل الأولى في استِخدامِ الإعلامِ الإقليميِّ أداةً لتحقيقِ التَّعدُّد و التَّنوُّع الاتِّصالي، وبالتَّالي إِثراءُ الخِطابِ الإعلاميِّ العالميِّ من خِلالِ تَقديمِ مَضامينَ إعلاميَّة مُشبعة بِنكهةِ وروحِ ثقافاتٍ وتجارُبٍ وطنيَّة مُتعدِّدة ومُختَلفة. تَسعى هذهِ النَّزعة الثَّانية إلى الحِفاظ على خُصوصيَّتها وإلى البَحثِ عن دورٍ فاعلٍ في الثَّقافةِ العالميَّة. أمَّا النَّزعةُ الثَّانية؛ فتتمثَّل في القُوى التي تَركبُ موجةَ التِّكنولوجيا وتَسعى لاستِخدامِ الإعلامِ الإقليميِّ ليَقومَ بدورِ حصانِ طروادة في عَمليَّة السَّيطرة الغربيَّة عُموماً و الأمريكيَّة خُصوصاً على خِطابِ الإعلامِ العالمي، بِما يتطلَّبهُ ذلك من عولَمةِ الرَّسائل، وتسليعِ النَّتاج، وتَتجيرِ الوسائل.
- الإعلامُ الدَّولي: قبلَ الاندِفاعةِ التِّكنولوجيّة الجديدة المُتمثِّلة في البثِّ الفضائيِّ التِّلفزيونيِّ والشَّبكةِ الدَّوليَّة للمعلومات (الانترنت)، كانت شبكةُ الإعلامِ الدَّولي تَقتصرُ على الإذاعاتِ الموجَّهة، ووكالاتِ الأنباء، والصُّحفِ ذات الطَّابع الدَّولي. وكانَ من المُمكنِ لِكلِّ بلدٍ أن يمارِسَ (سيادتَه) الإعلاميَّة ضمنَ حدودِه، (ويُمنعُ أو يُحدُّ عن طريقِ التَّشويش)، وصُولَ أيَّة رسالة إعلاميَّة، تَتناقضُ مع مصالِحه أو أهدافِه، إلى جماهيرِه.
تشكِّل المَنظومة الإعلاميَّة في كلِّ مجتمعٍ كياناً يَتميَّز بِقدرٍ كبيرٍ من التَّنوُّع، وذلكَ استجابةً لتنوُّعِ الواقعِ الموضوعيّ، ولتنوُّعِ الحاجاتِ الإعلاميَّة، ولتنوُّع الأهدافِ المَطلوب تَحقيقها في المجالاتِ المُختلفة وفي أوساطِ الشَّرائح المُختلفة في الأوقاتِ والأمكنةِ والأساليبِ المُختلفة، يعودُ تنوُّعُ المنظومةِ إلى معاييرَ مُتعدِّدة أبرزُها: القوَّة والمجالُ والموضوعُ والانتشارُ والرِّسالةُ والجُمهورُ والمُستوى… إلخ. كما تتميَّز كيانُ المَنظومةِ الإعلاميَّة العامَّة في المُجتمع وفي الوقتِ ذاتِه بقدرٍ كبيرٍ من التَّكامل. أيضاً، استجابةً لِحقيقةِ أنَّ الواقعَ الموضوعيَّ يُشكِّل كُلّاً واحِداً (بالرَّغمِ من تنوُّعه)، وأنَّ ذهنيَّة المُتلقِّي تُشكِّل كُلّاً واحداً (بالرَّغمِ من تَنوُّع وتَعدُّد حاجاتِه)، وأنَّ الأهداف، وبالرَّغمِ من تَعدُّدها وتنوُّعها، تَصبُّ في مجرى واحد، وتقعُ ضمنَ إطارِ استراتيجيَّة واحِدة.
هكذا يُمكنُ القولُ أنَّ كُلَّ مُفردَةٍ (وسيلة) من مُفردات المَنظومة الإعلاميَّة في المُجتمع قد وُجدَت استجابةً لحاجةٍ موضوعيَّة. بالتَّالي فإنَّ كل وسيلةٍ إعلاميَّة عبارة عن مؤسَّسة مُعَيَّنة مَعْنيَّة بِتحقيقِ مشروعٍ مُعيَّن. وتَنطلِقُ في عمليَّة تَحقيقِها وخِدمتِها لهذا المشروعِ من مُنطلقاتٍ مُعيَّنة، تُحدِّدها الخياراتُ الاستراتيجيَّة لهذهِ المؤسَّسة. من المُهم جداً إدراكُ حقيقةٍ هامَّةٍ وهي أنَّ هذا المشروعَ ليسَ مَشروعاً خاصّاً بهذهِ المُؤسَّسة الإعلاميَّة، بل هو أوّلاً وأساساً المُشروع الخاص بِالقُوى (السِّياسيَّة أو الاجتماعيَّة أو التِّجاريَّة أو الثَّقافيَّة أو الدِّينيَّة… إلخ) والتي تَعتبرُ نفسَها معنيَّة بما يَجري في المُجتمع بما يَخدمُ مصالِحها. كما وتُوجدُ وسائلُ الإعلامِ المُختلفة كمَجرَّد أدواتٍ لِخدمةِ مصالِحها، وترويجِ أفكارِها ونشرِها. أمَّا في الأنظمةِ غيرِ التَّعدُّديَّة (أي أنظمة القوَّة الواحدة، الحزبُ الواحد أو الشَّخصُ الواحد أو العائِلة الواحدة) فإنَّ هذه الأنظمة تُؤسِّس مَنظومةً إعلاميَّة مُتنوِّعة و مُتكاملة ( غالباً ما تَملكها وتوجِّهُها بالكامل) لخدمةِ النِّظام السَّائد، ونَشرِ أفكارِه وقيَمِه، وترويجِ مفاهيمهِ وخدمةِ سياساتِه. تُؤكِّدُ المُمارسة أنَّ دورَ وسائلِ الإعلامِ في هذهِ الأنظمة لم يَعُد مُقتصراً على مُجرَّد خِدمةِ النِّظام، بل يتعدَّاها لِيُصبحَ واحِداً من الأجهزةِ الفاعِلة والمُؤثِّرة في عمليَّة المُساهمة في تَجديدِ ميكانيزمات النِّظام وقُواه المُحرِّكة والدَّافعيَّة لِضمان استمراريَّته.
تتوقَّف طبيعةُ المَنظومة الإعلاميَّة في المُجتمع على طبيعةِ ونوعيَّة القوانين والتَّشريعات الإعلاميَّة المَعمول بِها والتي تَتوقَّف بِدورها على طبيعةِ النِّظام السَّائد في هذا المُجتمع. بمعنى، أنَّها تتوقَّف على نوعيَّة المُلكيَّة السَّائدة لِوسائلِ الإعلام، وعلى طبيعةِ فهمِ دورِ الإعلامِ في المُجتمع، وعلى طبيعةِ ونوعيَّة الوظائِف والمَهام التي يَسعى الإعلامُ إلى تَحقيقِها(1). تَظهرُ أهمِّيةُ إعلامِ الأزمة من اللَّحظة الأولى لِوقوعها، فالإعلامُ بشكلٍ عام ووسائِله بشكلٍ خاص، يَلعبانِ دوراً كبيراً في مواجهةِ الأزمة، سواءً كانَ على الصَّعيد المحلِّي أو على الصَّعيد العالميّ، فهي تُؤثِّر من النَّاحية النَّفسيَّة (السيكولوجية) على أفرادِ المُجتمع في تكوينِ آرائِهم ومواقِفهم واتِّجاهاتِهم، وهي أيضاً تُؤثِّر من ناحيةٍ أُخرى لِكمِّية التَّعدُّد والتَّنوُّع لِوسائِل الإعلام في ظلِّ ثورةِ الاتِّصالات.
هُنا يرى عَدنان شديفات أنَّ دورَ الإعلامِ يتعدَّى مرحلةَ نقلِ الأخبارِ والصُّورِ في كلِّ مكانٍ بِالعالمِ إلى لعب دورٍ هامٍّ وحيويٍّ ووظيفيّ، وهو دورُ التَّوعية في إدارةِ الأزمات وأهمَّيته، كيف يكون ذلك؟ يكونُ ذلك من خلالِ المسؤوليَّة التي يتحمَّلها الإعلامُ الواعي، ومسؤوليَّته تكمنُ في الدِّفاع عن القضايا الهامَّة المصيريَّة التي تَتعلَّق بشؤونِ الوطنِ كأمنِه واستِقراره، فهو ارتضى أن يكونَ ذا مسؤوليَّة كَسُلطة مهنيَّة لها موقعُها الوظيفيُّ الهامُّ ودورُها ومكانتُها ما بينَ سلطاتِ الدَّولة، ومطلوبٌ منهُ في هذا الدَّور تحقيق أعلى درجاتِ الاستِقرارِ المُهمَّة بأدواته، وغير ذلك سَيكونُ هناكَ فوضى لأنَّ التَّخلِّي عن المَسؤوليَّة هو فوضى. للإعلامِ دورٌ في إدارةِ الأزماتِ يَتطلَّب منَّا عدم انتقاءِ السَّلبي والتَّركيز عليه، وتهميشِ الإيجابيّ وزحزحةِ جُسورِ الثِّقة فيه ما بين الإعلام بِمؤسَّساته المُختلفة الرَّسمية وغير الرَّسمية والمُواطن، وأن يكونَ هناكَ تبنِّي لتربيةٍ وثقافةٍ إعلاميّةٍ وطنيّةٍ لا يتمُّ التَّعاملُ معها إلّا من بوابةِ السِّلم والأمنِ المُجتمعيِّ والانتِباه إلى الدَّور التَّحليليّ لِلمعلومةِ لا الاهتمام على سبيلِ المِثال بِما يُنقل مباشراً من خلالِ الهواتفِ النَّقالة لأحداثٍ معيّنة، لأنَّ ذلكَ الأمر مرهونٌ بمقدرتِنا على إدارةِ ملفَّاتِنا وشؤونِنا الإعلاميَّة بِمَنح أدوارٍ أكثرَ لمن هُم ذو كفاءةٍ وكفايةٍ ودرايةٍ في إِدارةِ مَلفَّاتٍ إعلاميَّة وطنيَّة هامَّة، كإدارةِ الأزماتِ لِلوُصولِ بِالوطنِ إلى بَرِّ الأمان. التَّساؤلِ هنا، ألم يئِن الأوانُ بالعملِ على صياغةِ استراتيجيَّة إعلاميَّة وطنيَّة تَرسُم سيناريوهات مُتكامِلة لكافَّة الاحتمالات المُتوقَّعة لإدارةِ الأزماتِ في المُستقبل؟. في مجلَّةِ الرِّسالة للدَّراساتِ والبحوثِ الإنسانيَّة قامت بلوفة بلحضري بِدراستِها حولَ الإعلامِ وإدارةِ الأزمات، ومُلخَّصُ دراستِها تَتضمَّن التَّالي:
قَد تَظهرُ قوَّة وسائل الإعلام على المجتمعِ والحُكوماتِ في زيادةِ حجمِ التَّأثير على الرَّأي العام والقراراتِ السِّياسيَّة، فقد أضحَت ذات أهميَّة في تسييرِ الأزمات، لاسِيما وأنَّ المُجتمع يُصبحُ أكثرَ تَفاعُلًا مع وسائِل الإِعلامِ للتَّطلُّع على تَفاصيلٍ أكثرَ عن الأزمةِ وظُروفِها أيًّا كانَ نَوعُها. والواقعُ أنَّ الأزمةَ تَخلقُ جوًّا من الارتباكِ والذُّعر وحالةً من الطَّوارئ، ويودُّ المُجتمع لو يتطلَّع إلى ما استجدَّ لِمعرفةِ وفهمِ هذه التَّفاصيل. تُظهرُ الدِّراساتُ العلميَّة المُختلفة حجمَ تدخُّل وسائلِ الإعلامِ في إدارةِ الأزماتِ من خلالِ مُحاولةِ التَّعريفِ بها وتسليطِ الضَّوءِ على ما يكتَنفُها من تَحوُّلاتٍ وتطوُّرات. وتُعدُّ هذه الورقة مَدخلًا علميًّا يُسلِّطُ الضَّوءَ على حجمِ وأهمِّيَّة إدارةِ الأزماتِ في وسائِل الإعلام، وفَهم التَّحديات التي تُواجهُ عَملَها.
رَزانْ الظَّاهرْ
(1) الإعلام والأزمات للدكتور أديب خضور