غرفةٌ بِلا أبوابٍ ونوافِذ

غرفةٌ بِلا أبوابٍ ونوافِذ

قبلَ عصرِ التكنولوجيا، كُنَّا نقرأُ الصُّحف، نجتمع ونُناقش كلَّ ما هو جديد ونَتقبَّل جميعَ الآراء بصدرٍ رَحْب، دونَ انتِقادٍ جارحٍ مؤذ. عِندما دخلَت وسائِلُ الإعلامِ الاجتماعيّ إلى حياتِنا قُلِبَت الأمور رأساً على عَقب، قامت بِعزلِنا عمَّا حولَنا من أشياء، إذ أصبَحنا نتواصل عن طريقِ تطبيقاتٍ تربُطنا ببَعضِنا، حَصرَتنا! في الحقيقة، نحنُ من سلَّمنا انتباهَنا وعُقولنا لِهذهِ التَّطبيقات، إذ أصبَحت تَشغلُ جزءًا من حياتِنا، بل أصبحَت هي حياتُنا كاملة، لأنَّها القلبُ النَّابض بكلِّ ما هو جَديد. التَّطبيقات التي وُجدت كانت أشبهَ بِغرفةٍ نعزِلُ بها أنفُسَنا، غرفةٌ ليسَ لها أبوابٌ ولا نوافِذ، نَنعزلُ بها إمَّا للقراءةِ عن موضوعٍ ما أو رُبَّما مشاهدةَ شيءٍ قد يَنالُ إعجابنا، قد يكونُ برنامجًا وثائقيًّا أو فيديو لأحدِ الأشخاصِ يَنقُل لنا تَجرُبته الشَّخصيّة تِجاهَ موقفٍ حصلَ معه، مُبتَكِري هذه المواقعِ يستحقُّون لقَب الذَّكاء لأنَّهم عرِفوا كيفَ يُشغِلوننا بما صََنعوا بإبداعٍ تامٍّ يجذِبُ انتِباهك.

كيفَ صُنع هذا الإعلان؟ في بعضِ الأحيانِ يلفِتك الإعلانُ لِمشاهدتِه كاملاً لأنَّه قد صُمِّم بألوانٍ زاهيةٍ وأشكالٍ تُشوِّقُك لِمشاهدةِ المَزيد، وعِندما يُشاهدُ كُلٌّ منّا ما يميلُ إليه يِحبسُ نَفسهُ داخلَ فقَّاعةِ تفكيرٍ لا يَقدرُ على الخُروجِ مِنها، إذ يُصبحُ لهُ عالمُه الخاص، به لن يتقبَّل الآراء بِسهولةٍ حتَّى نَعتقِد بأنَّه لا يوجَد رأيٌ سِوا رأيِنا، ونَفرحُ عندما نجدُ أشخاصًا نفس عقليَّتنا، الغرفة التي تَحدَّثتُ عنها هي غُرفةُ الصَّدى وفقَّاعة التَّرشيح. العربُ سابقاً كانوا يُطلقون على الصَّدى “ابنة الجبل” ومن ذلك قولهم: “صمّي ابنة الجبل مهما تقل يقل” وهو مَثَلٌ يُضربُ للإمَّعة الذَّليل الذي يتبع لغيرِه من وكذلك هو “ابنة الجبل” يضرب لمن يكون مع الجميعِ كتابعٍ لهم أي صداهُم، ويُعرَف الصَّدى أيضًا في عددٍ من اللُّغات اللَّاتينية ب “إيكو _Echo”.

ما هي غُرفةُ الصَّدى؟ ولِما أُطلقَ عليها هذا الاسم؟

المقصودُ بهذا المُصطلح أنَّ مُستخدمي مواقع التَّواصل الاجتماعيّ في بعضِ الحالات، يُمكن أن يكونوا مُعرَّضين لما يُشبه غرفة الصَّدى، أي أنَّهم يتفاعلون فقط مع المُحتوى الذي يؤكِّد المُعتقدات التي يؤمنونَ بِها بالفِعل. نظراً لأنَّ المُستخدمين يَتفاعلون مع المُحتوى الذي يؤكِّد خِطاباً أو سرديَّةً مُحدَّدة تتوافقُ مع مُيولِهم ورؤيتِهم وقناعاتِهم، ويتواصلونَ مع أولئكَ اللَّذين يؤمِنونَ بِمعتقداتٍ مُشابهة، فإنَّ وسائلَ التَّواصل الاجتِماعيّ تَخلقُ حالةً من الوهمِ بوجودِ توافقٍ واسعِ النِّطاق. وهذا قد يوقِع الأفراد في شبكةٍ تَتبادلُ المُحتوى المُتطرِّف، ممَّا يُعرِّضهم لِردودِ فِعلٍ عاطفيَّة أكثرَ حِدّة.

فكرة علامة المربَّع “الهاشتاج” وانتشارِ استخدامهِ عبرَ منصَّة “تويتر” ما هي إلا تجسيدٌ مثاليٌّ لغرفةِ الصَّدى عندما تَحتشدُ الجموعُ وراءِ آراءِ بِعَينها، مثلَ تعليقاتِ القُرَّاء المُتشابهة،كأسرابِ الطُّيورِ في مواقعٍ بِعَينها. فقد يُسهم ذلكَ في انتِشارِ الأخبارِ الكاذبةِ والتَّقارير المُلفَّقة بِسهولةٍ شديدة، لأنَّه يتمُّ تداوُلها ضمنَ مجموعاتٍ مُنغلقة على نَفسها، دونَ أيِّ تدقيقٍ طالما أنَّ مضمونَها على هوى من يتبادَلونَها. الأكثرُ خطورة ،أنَّ انغلاقَ مجموعةٍ كبيرةٍ على نفسِها عبرَ الميديا تؤدِّي بعد فترةٍ من الوقت، إلى تَطرُّف أفكارِها. الخوارزميَّات: الخوارزميَّة هي صيغةٌ لحلِّ المُشكلات، حيثُ تعتمدُ على تنفيذِ مُتسلسِلةٍ من الإجراءاتِ المُحدَّدة، وهي سِلسلةٌ من التَّعليمات الواضِحة؛ أي أنَّه لا يُمكن وجودُ احتِمالٍ كبيرٍ لتفسيرٍ ذاتيٍّ لها.

فُقَّاعةُ التَّرشيح هي وصفٌ لتأثيرِ تقنيَّة يَستخدِمُها عددٌ من مُحرِّكاتِ البحثِ في تحديدِ نتائجِ البحثِ المعروضةِ للمستَخدمين؛ هذه التِّقنيَّة تتمثَّل في قيامِ خوارزميَّات مُحرِّكات البحث هذه بِتخمينِ المعلوماتِ التي قد يُفضِّل المستخدِم بشكلٍ أن يراها بناءً على معلوماته عنها (مثل المكان وسلوكيَّات النَّقر الماضية وتاريخِ البحث). نتيجةً لذلك يُصبحُ المُستخدم مُنفصِلاً عن المَعلوماتِ التي لا تتَّفقُ مع وُجهاتِ نظرِه، وهو ما يَعزلُ المستخدم في فقَّاعتهِ الثَّقافيَّة أو الفكريَّة الخاصَّة. تُعدُّ خِدمتا نتائِج البحثِ المُخصَّصة من جوجل ومدفِّق البحثِ المخَصَّص من فيسبوك من الأمثلةِ الرَّئيسيَّة لِخدماتِ بحثٍ تقومُ على هذه التِّقنيَّة. على الرَّغم من أنَّ هذه الخوارزميَّات تُقدِّم راحةً كبيرةً للمستَخدمين؛ فهيَ تَحمِلُ بعضَ الآثارِ الجانبيَّة السَّلبيَّة، فظواهرٌ مثل غُرفِ الصَّدى تُمثِّل تحدّياً حقيقيّاً لِوسائلِ الإعلام.

يَتعيَّن التَّفكير في كيفيَّة تجاوزِ أضرارِها بِطرقٍ خلّاقةٍ تُسهم في زيادةِ الوعيِ والفَهم، خاصّةً بعد ما تَسبَّبت هذه الحالاتُ الإلكترونيَّة في تعميقِ الاستِقطاب الجماعيّ وتَقسيمِ النَّاس إلى مَجموعات، كلُّ شخصٍ حسب فُقَّاعتِه وغُرفةِ صداه. حالُ غرفةِ الصَّدى كحالِ غرفةٍ بِلا أثاث، ما إن تكلَّمت بموضوعٍ سيظلُّ يتردَّد صَداه؛ فالحلُّ هو:

  • جعلُ المعلوماتِ المُقدَّمة لِلمستخدمينَ أكثرَ تَنوُّعاً وتَقديمِها في الوقتِ المُلائم لِتفادي خَلق غرفةِ صدى الصَّوت.
  • الابتعادُ عن تضخيمِ الأحداثِ وتسليطِ الضَّوء عَليها بِكثرة.
هَزارْ مَسعودْ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *