ومضات عن السلام

ومضات عن السلام

الإنتصارات الحقيقية والدائمة هي إنتصارات السلام وليس إنتصارات الحرب. كل شخص يتمتع بفكرته الخاصة عن السلام وينظر له بمنظوره الخاص لذا لن أذهب لتأطير مفهوم السلام الكبير والعميق جدا وأفضل الذهاب لتمحيص تصنيفاته والتطرق لمجالاته والإطلاع عليها. يصنف السلام بشكل عام إلى سلام سلبي وسلام إيجابي ويُعرف السلبي على أنه غياب العنف في الدول وفي التجمعات العرقية والعنصرية بينما يعرف السلام الإيجابي على أنه نموذج للتعاون والدمج بين التجمعات البشرية ويندرج تحت السلام الإيجابي السلام التام وهو غياب العنف ووجود التعاون، إلى جانب هذا أيضا توجد تصنيفات فرعية ولكن هذه هي أبرز التصنيفات المتعارف عليها.

تتعدد المجالات التي تعتبر السلام ركيزة أساسية فيها وهذه بعض المجالات التي تلامس حياتنا اليومية بشكل كبير:

السلام في الأسرة: يعاني كثير من أفراد وأسر مجتمعنا من غياب السلام و وجود واضح للعنف الأسري ويشار إلى أن أفراد الأسر الذين يتعرضون للعنف الأسري بأشكاله (الجسدي ،النفسي) ولا يستطيعون صد أو رد العنف عن أنفسهم يخرجون إلى مجتمعهم ويصبون جام غضبهم على أفراد آخرين ولعل العنف الأسري هو المغذي لأشكال العنف المتعددة في المجتمع ومؤسساته.

لهذا نجد مجتمعنا يعاني من عدة ظواهر يندرج كثير منها تحت مصطلح العنف كالعنف الجامعي والتنمر وتدمير الممتلكات العامة إضافة إلى العنف اللفظي الذي لا يكاد شارع يخلو منه، إذا أردنا مجتمعا يحظى بالسلام فعلينا بالأسرة فليحظى أفرادها به أولا وليغيب العنف بأشكاله عنها وسنجد مجتمعنا أكثر سلاما، ورد في الدراسة التي تحمل عنوان “دعائم السلام الإجتماعي في الأسرة المسلمة” تعريف لمفهوم السلام الأسري على أنه: توفير الحب والوئام والإستقرار والتطور بين أفراد الأسرة وتعزيز ثقافة السلم في حل الصراعات والنزاعات التي تنشب بين أفرادها في أوقات الكدر، لذا علينا العمل على مساعدة القائمين على الأسرة من الزوجين والأبناء في تبني لغة الحوار في مواجهة التحديات التي يعيشونها.

السلام في العمل: هل نتمتع بالصحة النفسية في بيئات العمل المتوفرة لدينا والتي بدورها تحقق فحوى السلام في العمل بشكل خاص وتنعكس على السلام المجتمعي والأسري بشكل أعم؟

يصب مفهوم الصحة النفسية للعامل في مفهوم السلام في العمل فإذا تعذر السلام في العمل فقدنا الصحة النفسية الجيدة فيه والعكس صحيح وهذا كله يؤثر على إنتاجية الأفراد و قوة الإقتصاد وتنعكس مشاكل العمل عليهم بالدرجة الأولى أي على بيوتهم وأسرهم بالنتيجة يؤثر هذا كله على المجتمع و لربما المخرج في تعزيز ثقافة العمل بروح الفريق والتنافس الحضاري، وتبني التشريعات التي تحمي العامل وتوفر له الأمان الوظيفي.

السلام داخل دائرة الأصدقاء: الإنسان كائن إجتماعي بطبعه ويحتاج إلى علاقة من الصداقة تساعده في تحقيق السلام الداخلي، فثقة الأصدقاء ببعضهم تعزز بشكل ملموس شعورهم بالراحة النفسية ويحقق هذا بدوره بعضا من السلام الداخلي أما إذا كان الرابط بين الأصدقاء غير قوي ولا يثقون ببعضهم وتتخذ علاقاتهم شكلا من أشكال الشك والتربص فسيشعورن بالخوف وهذا ما يزعزع سلامهم الداخلي ويدخلهم في حالة من القلق والتوتر، لذلك لا تنجح الصداقة إلا بالمحبة وبخلاف ذلك ما تلبث أن تتلاشى ومن المهم للفرد أن يعتني بإختيار الأصدقاء لما لهذه العلاقة تأثير كبير عليه وعلى نفسيته.

السلام في المجتمع: إنه فقط عبارة عن المحبة الخالصة والتسامح وحسن الظن بالآخر وهذا يتأتى في نجاح أفراد المجتمع بإقامة جسور المودة والتعارف والتقبل والتعاون فيما بينهم.

السلام الداخلي: يعرف البعض السلام الداخلي على أنه السكون والهدوء أو حالة من الوعي والتنوير التي يمكن الوصول إليها من خلال الصلاة أو اليوغا أو التأمل وعلى أهمية ما ذكر لكنني أرى أن السلام الداخلي هو القدرة على التسامح والثقة بالنفس وذكرت هاتان السماتان بالتحديد لأن القدرة على التسامح قدرة عظيمة لا يقوى عليها أي أحد الإ منكان واعيا ومحبا ونكاد لا نستطيع حصر منافعه على الشخص والمجتمع، والثقة بالنفس تعني أن الشخص لن يضطرب في حال تعرضه لأذى من الآخرين لأنه يعلم نفسه جيدا.

لقد شغلت قضية السلام العالم منذ أزمان عديدة فخطت العهود والمواثيق وشرعت القوانين التي تكفله كحق وعقدت المؤتمرات من أجل تحقيقه والحفاظ عليه وهذه بعض التوصيات التي وردت في بعض المؤتمرات الخاصة بالسلام؛ من التوصيات التي جاءت في مؤتمر السلام الخاص بالأديان بجامعة إكسفورد:

  • رفع شعار عالمي جديد بعنوان “السلام حق للجميع”، فليس يجدي المحاباة في تطبيق قيم العدالة والحرية والتسامح والسلام والتمييز الديني أو العرقي.
  • تعميق التفاهم والتعايش في المجتمعات متعددة الثقافات سبب مهم في إزالة اللبس وتخفيف النزاعات المتفاقمة في مختلف أنحاء العالم، وهو ضرورة لتحقيق السلم العالمي والوصول إلى التعارف والفهم المتبادل.
  • الإلتزام بمبدأ حق الإختلاف يحافظ على الإرث الإنساني المتعدد، ويرعى مكتسبات الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، والتعاون بين محبي السلام يبرز قيم التعايش ويكرسها ويجعل الحوار البيني بين مختلف الحضارات أجدى في حل مشكلات المجتمعات المعاصرة.
  • إغاثة جميع المهجرين واللاجئين والمشردين الذين ذاقوا ويلات الحروب والصراعات، والإسهام في تخفيف معاناتهم وإحتوائهم إيجابيا ليتجاوزوا محنتهم، والحيلولة دون أن تتخطفهم الإنحرافات الفكرية والجماعات الإرهابية.

وجاء في نتائج وتوصيات منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في دورته الثالثة عام 2016، متابعة الإهتمام بالمفاهيم التي يترتب عن سوء فهمها إخلال بالسلم الإجتماعي أو الأهلي أو العالمي. وفي صدد هذه التوصية أذكر جهود المنظمة الأردنية أنا أتجرأ للتنمية المستدامة فمن خلال عملهم معنا في التدريبات وورش العمل إستطعت ولو قليلا تبني رؤية أنضج للمصطلحات والمفاهيم وأصبحت أنتقي وأستخدم هذه المصطلحات في وقتها ومكانها المناسبين بعد تفكير وإقتناع مني بمعانيها وما ترمي إليه.

بعض التوصيات التي وردت في وثيقة القاهرة لنشر السلام في عام 2017:

  • ضرورة التركيز على المشتركات الإنسانية والقواسم المشتركة بين الأديان في الخطاب الديني والثقافي والتربوي والإعلامي، وسن القوانين التي تجرم التمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق.
  • العمل من خلال المؤسسات الدولية على تجريم التمييز بسبب الدين أو الإقصاء الديني دون إستثناء.

تجتمع التوصيات السالف ذكرها والآتية من عدة بلدان والنابعة من ثقافات مخلتفة على مبدأ إحترام الإختلاف وأهمية الوعي بالمفاهيم والمصطلحات وتدعو الإنسان الذي يتمتع بالأمان إلى مساعدة أخيه الذي ذاق ويلات الحروب والتهجير دون إزدرائه أو النظر له كما لو أنه دون، وكأن لسان حالها يقول الإنسان بيقى إنسانا يستحق الرعاية والإحترام مهما كان أصله أو فصله، سيكون لتطبيق هذه التوصيات عمليا بالغ الأثر الإيجابي علينا وعلى مجتمعنا.

من أبرز من إعتنقو ثقافة السلام وعكسوها على أرض الواقع وآتت أكلها المهاتما غاندي “داعية اللاعنف” وهذه نبذه عنه وعن منهجيته السلمية: أسس غاندي ما يسمى بالمقاومة السلمية وفلسفتها اللاعنف وتلخصها قيمة أو سمة الشجاعة من وجهة نظر غاندي اللاعنف ليس عجزا ولا ضعفا وتتمثل أساليب هذه السياسة في الصيام والمقاطعة والإعتصام والعصيان المدني وعدم الخوف من إنتهاج هذه الأساليب أو الخوف من عواقبها. وأكثر ما لفت نظري في سياسة غاندي هو ما إشترطه لنجاح فلسفة اللاعنف فقد إشترط تمتع الخصم ببقية ضمير وحرية تمكنه من فتح باب الحوار بشكل موضوعي. في عام 1932، بدء غاندي بصيام حتى الموت إحتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الإنتخابات ضد المنبوذين الهنود، وهكذا إضطر الزعماء السياسيين والدينيين منهم إلى التفاوض وإلى وضع “إتفاقية بونا” التي نتج عنها زيادة في عدد النواب المنبوذين وألغي على إثرها نظام التمييز الإنتخابي.

مسيرة الملح: قاد غاندي مسيرة شعبية إلى البحر لإستخراج الملح منه وذلك بسبب القوانين البريطانية التي منعت الشعب من إستخراج الملح وحصرته في يد السلطات الخاصة بها، مرة أخرى إنتصرت فلسفة غاندي السلمية وأنهي العصيان ووقعت إتفاقية دلهي والتي تضمنت حلا وسطا للطرفين. النفس البشرية والاسرة والأصدقاء والمجتمع على المستوى المحلي والعالمي جميعهم مسؤولون ومكلفون بتحقيق السلام لذا توسعت في المقال خروجا عن النهج التقليدي الذي يحصر السلام بغياب الحرب وأشرت إلى مدى إرتباطه بحياتنا اليومية العملية منها والشخصية فهو مرتبط تقريبا بكل شيء وهو من الحاجات الضرورية ليحيى الإنسان حياة كالحياة لا حياة تشبه الموت أو أمر قليلا في غيابه.

نور هاني