ما هي غرفة الصدى؟ وكيف نخرج منها؟

ما هي غرفة الصدى؟ وكيف نخرج منها؟

ما هي غرفة الصدى؟ وكيف نخرج منها؟

“الطيور على أشكالها تقع”- مثل شعبي – قاله أبي ذات مرة لصديقه المقرب؛ عندما كان يشتكي الأخير من علاقة ولده بمشجعي الفريق الوطني لكرة القدم. كنت صغيرًا حينها ولم أفهم لم على الطيور أن تقع؟ وما علاقة شكل الطيور بوقوعها؟

يميل الإنسان بطبيعته للإنجذاب إلى الناس الذين يؤيدونه بوجهات النظر سواء كانت سياسية، دينية أو غير ذلك من وجهات النظر التي يتبناها الأشخاص. كاولئك الذين يحملون صفات معينة قد تتنوع بين تشجيع فريق رياضي معين أو حبًا لنوع معين من السيارات، وهذا أمر طبيعي ومتأصل في بني البشر منذ القدم؛ حيث مارس هذا السلوك الانسان البدائي عندما كان الأولون يفضلون مواجهة خصومهم، من الحيوانات البرية الكبيرة أو المفترسة او الجماعات المناوئة والظواهر الطبيعية بالتكتل فيما بينهم.

سميت هذه الظاهرة بغرفة الصدى – Echo Chamber. وهي تسمية مستوحاة من الغرفة التي يستخدمها خبراء الصوت لإجراء تجارب على أجهزة صوتية؛ حيث ينعكس الصوت نفسه ويرتد الى مصدره، وهو تشبيه لما يحدث لمن ينجذبون للمجاميع التي تنعكس نفس وجهات نظرهم كما ينعكس الصوت نفسه عائدا إلى مصدره. يبدأ الناس بالايمان بأن أفكارهم ووجهات نظرهم هي الأصح لأنهم لا يرون الا هذه الأفكار؛ حيث لا تسمح غرفة الصدى التي هم بداخلها لأن يتعرفوا على آراء مختلفة أو مناهضة لآرائهم. ولعلها مفارقة غريبة، أن يرتد الإنسان إلى طبيعته البدائية الأولى، في أوج حقبة الحداثة والحضارة التي منحته فرصة تاريخية غير مسبوقة للتواصل مع كم هائل من الآراء. وكأن الانسان إختار أن يبقى كما كان قبل ملايين السنين، ضمن دفء الجماعة وأفكارها لأنه هناك يشعر أكثر بالراحة والطمأنينة.

قد تكون غرفة الصدى عبارة عن قناة إخبارية تلفزيونية، أو صفحة أو تجمع في الفيسبوك أو مجموعة أصدقاء أو أي جهة تغذي وتشارك بشكل متكرر نفس الأفكار ووجهات النظر. تتشكل هذه المجموعات تلقائيًا وعلى نطاق واسع من خلال منصات التواصل الإجتماعي المتعددة، عندما يعلقون أو يتشاركون قصة خبرية مع أصدقائهم حول مواقف بعينها تطرح وجهات النظر نفسها مهما تباعدت المسافات الجغرافية، أي أن مستخدم وسائل التواصل الإجتماعي هذه يعمد وبطريقة بدائية للغاية التجمهر حول وسيلة إعلامية تعكس رأيه، وينتقي من قائمة الاصدقاء من يتفقون معه ويستخدم خاصية الحظر (Block) ضد من يخالفه الرأي.

تشبه هذه الظاهرة وبشكل كبير ما يعنية المثل العربي الشهير “الطيور على أشكالها تقع” فإن النوارس لا تتسكع مع الصقور، ولا النسور تسكعت مع الببغاوات، فما هذا المثل إلا تشبيه آخر لهذه الظاهرة التي تجسدت من خلال الفيس بوك والتويتر ومواقع التواصل الإجتماعي الأخرى. ولعل الظاهرة الأكثر خطورة، هي تخندق المجموعات الكبيرة هذه على نفسها عبر ما يسمى “بالميديا الجديدة” و التي تؤدي بعد فترة من الوقت، إلى تطرف أفكارها، بحسب تأكيدات باحثين مختصين بعلم سلوكيات الإنسان. يجدر بالذكر أيضًا إن نسبة كبيرة من مستخدمي عالم الإنترنت هم ضحايا لغرفة الصدى ووجودهم داخلها ليس بالضرورة إختياريًا. تعمل مواقع التواصل الإجتماعي بشكل متواصل على دراسة وتحليل سلوك المستخدمين لأغراض تسويقية و ربحية بشكل تلقائي. تقوم هذه الخوارزميات البرمجية بمراقبة سلوك المستخدم لتقيس مدى ميوله لمحتوى معين وتقوم حينها بتخمين المعلومات التي يفضل المستخدم أن يراها أو إظهار محتوى مماثل وهذا يعزز بدوره غرفة الصدى. سميت هذه الظاهرة بمرشح الفقاعة – Filter Buble.

يندرج هذا المقال ضمن محاولات تعزيز ثقافة السلام الإيجابي في المجتمعات، حيث أن تعريف السلام يتخذ أشكالا متعددة تعتمد على السياقات المختلفة، فأن التعريف الأبسط للسلام هو (إنعدام الحرب). أما السلام الإيجابي هو جميع السلوكيات والمحاولات التي تمارس من قبل المؤسسات أو الأفراد التي تصنع وتعزز المجتمعات السلمية، أي أنه يوجد وبشكل فعال محاولات لتعزيز وضمان وجود السلام في المجتمعات. وهنا يجدر بنا أيضًا تعريف السلام السلبي، وهو وجود حالة السلام لكن مع تخوف من إنعدامه، كالخوف من إندلاع عنف أو إضطهاد أو صراعات. لذلك فأن التعريف بغرفة الصدى ومخاطرها وكيفية الخروج منها ما هي إلا إحدى ممارسات السلام الإيجابي. ولكن كيف نعرف ما إذا كان أحدنا داخل غرفة صدى معينة؟ علينا أولًا أن نفهم ما هي غرفة الصدى وهذا ما تم توضيحه أعلاه، ولكن هل تذكر ذلك الصديق الذي لم تعد تحتمل المنشورات الدينية! التي كان يشاركها على صفحته الشخصية على الفيس بوك وقمت بحذفه من قائمة الاصدقاء؟ أو تلك اللحظة عندما قمت بإلغاء إشتراكك من صفحة المؤمنين بأن الأرض مسطحة. هل جربت ان تشاهد قناة إخبارية غير التي تعودت متابعتها؟ من المهم أن يكتشف المرء ما إذا كان داخل غرفة الصدى، ولكن الأهم من ذلك هو كيفية الخروج منها.

بعض النصائح المهمة:

  1. قم بمتابعة شخص أو صفحة على الفيسبوك من الذين لا تتوافق أفكارهم وتوجهاتهم السياسية أو الدينية أو الرياضية مع أفكارك وتوجهاتك. حاول أن تضع نفسك بمكانهم. تأمل أسباب إتخاذهم رأي معين وحاول أن تجد الأسباب التي تجعل رأي شخصًا ما مختلفًا عن رأيك. هذا يساعدك أيضًا على تغيير محتواك اليومي من خلال تعديل الخوارزميات التي يستخدمها الفيسبوك لتغذية المحتوى اليومي الذي يظهر على صفحتك.
  2. حاول أن تلغي لمدة إسبوع على الأقل متابعتك لصديقك أو صفحتك أو مجموعتك المفضلة التي تنشر عشرات المحتويات و المنشورات كل يوم. ينطبق ذلك على منصات التواصل الإجتماعي الأخرى. جرب أن تلغي متابعتك لصفحة أخبارك المفضلة أو صفحة مشجعين فريق كرة القدم المفضل لديك؛ سيتيح لك ذلك فرصة التعرف على محتويات وآراء أخرى غير التي تعودت متابعتها ورؤيتها كل يوم، سيغير ذلك من مفاهيمك المعتادة، جرب ذلك!
  3. حاول ان تناقش بدلًا من أن تجادل! أن تحاول إثبات وجهة نظرك في حوار ما ليست بحرب عليك الإنتصار بها. لا تنسى بأنك تحاول الخروج من غرفة الصدى في المقام الأول؛ فلطالما كان الجدال سببًا لفقدان الاصدقاء والمقربين، لا أعني بذلك أنك قد قمت بخسارتهم ولكنك قمت بإبعادهم خارج غرفة الصدى الخاصة بك، والتي تشعرك بالراحة لمجرد تواجدك بداخلها طالما أن جميع من بداخلها يوافقك الرأي بشكل مستمر.
  4. قد يبدو هذا الأمر غريبًا لكن أن تجرب الإبتعاد عن وسائل التواصل الإجتماعي بشكل كلي لفترة معينة، قد يكون أمراً مفيدًا جدًا للخروج من غرفة الصدى. فإن السبب الرئيسي لهذه الظاهرة هو الإنترنت وما يحويه من منصات يمكن الإدمان عليها بسهولة.
  5. قم بإتخاذ قرار بأنك لن تستخدم الفيسبوك لمدة معينة، وسترى ما مدى تأثير ذلك على سلامتك النفسية والذهنية. ربما ستبدأ بقراءة ذلك الكتاب الذي لطالما أردت أن تنتهي من قراءته منذ وقت طويل. ربما ستقرر أن تزور الجزء الآخر من مدينتك التي لطالما سمعت عنه قصص كثيرة، ربما حان الوقت لأن تخرج من “فقاعتك” التي إنت محبوس بداخلها الآن!

ليث المجبل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *