كما قال المثل

كما قال المثل

تعتبر الأمثال الشعبية في أي مجتمع عبارة عن مخزون ورصيد ثقافي في المجتمعات، إذ أنها تروى بصورة أو بإخرى فترة حياة المجتمع في جميع مراحلة المختلفة وطرق تطورها، وقد ساد الإعتقاد في المجتمعات بأن الأمثال تمثل رأس الحكمة والخبرة لعقلاء وكبار المجتمع، لما فيه من أمثال وأحكام صحيحة لا تزال صالحة إلى يومنا هذا وإلى أن أصبحت الأمثال الشعبية تساعد بعض الأفراد في إتخاذ بعض القرارات وسلوكيات معينة سواء كانت بالإتجاه الصحيح أو بالاتجاة الخاطىء.

الأمثال الشعبية

في البداية يجب أن نعرف ما هي الأمثال الشعبية؟ وما هي مصادرها؟ ، لقد كثر تعريف المثل بشكل عام، ولكن جميعها لا تخرج عن نطاق معين وهو أنه “قول مأثور قيل في مناسبة معينة وأخذ ليقال في مثل تلك المناسبة”، وأصبحت الأمثال الشعبية لها أهمية كبيرة في ثقافتنا سواء أكانت فصيحة أم شعبية. إلى أن الأمثال الشعبية تنقسم في مجتمعاتنا حسب تأثيرها إلى مسارين منفصلين، المسار الإيجابي و المسار السلبي أو العنيف، وما يهمنا هنا هو الإتجاه الإيجابي للأمثال الشعبية وما مدى تأثيرها على المجتمع لتحقيق السلام من خلالها، يبدأ تأثير المثل الشعبي على سلوك الأشخاص في تغير نمط حياة الفرد إلى الطريق الصحيح أو الإيجابي أو حتى السلبي ويكمن في طبيعة إستخدام المثل. وهنا مثال علي تأثير المثّل الشعبي على تغير سلوك الشخص إلى المسار الصحيح أو الإيجابي فيقول المثل “حفظ اللسان، راحة الإنسان” يجمع هذا المثل بين جمال التعبير ودقة التصوير، والأهم من ذلك يعمل على تحفيز الأخرين على الوعى والصدق، وأيضا على عدم الإستعجال في الحكم على الأمور.

حفظ اللسان من الأمور المهمه التي يجب توافرها في المجتع للوصول لحالة الاستقرار والسلام الداخلي للفرد وللمجتمع، إذا للمثل الشعبي تأثير مباشر في توعية الفرد باتجاة سلوكيات معينة للوصول إلى حالة السلام، وأيضا يقال “فلان حلو اللسان” وهو تعبير يدل على أن الشخص طيّب الكلام، دائم التكلم بإمور إيجابية وما هو محبب لقلوب الناس. إلى أن بعض الأمثال الشعبية تعتبر سلاحا إجتماعيا فتاكا ومدمرا يكشف عن قصوة التميز بين المرأة والرجل كما وتدل على خلفية عدوانية، فهي تقوم على تدمير المجتمع وتلاشي السلام بين الأفراد.

إلا أن مشكلة الأمثال الشعبية لم تظهر من فراغ، بل أن المجتمع لعب دورا رئيسا وكبيرا بمختلف أطيافه في إنتشارها لتصبح جزء أساسيا من طريقة تفكير المجتمع، وبالتالي لا يمكن عزل إنتشار الأمثال الشعبية عن مدى تأثيرها في المجتمع، فالمجتمع هو الذي يحدد الطريقة التي تنشأ عليها الأمثال الشعبية وطريقة تداولها وإنتشارها أما بالمسار الإيجابي لتطوير المجتمع والأفراد أو بالمسار السلبي والعنيف. لا تكمن الخطورة فقط في إنتشارالامثال الشعبية وترويجها من قبل المجتمع، بل في الخطورة في التأثير الكبير الذي من الممكن أن تسببه تلك الأمثال على أفراد المجتمع بشكل عام وعلى المرآة بشكل خاص. إذا، ليس كل الأمثال الشعبية لها دور فعّال في المجتمع بل لها أيضا أثر كبير على تدمير أي مجتمع كما هو المعتقد السائد في المجتمع.

فالعقل مبرمج على تصديق كل ما هو متداول من كلمات أو صور أو حتى أمثال شعبية وليس لدية المقدرة علي التمييز بين المثل الإيجابي أوالسلبي أو العنيف في بعض الأحيان. فيصبح مصدقا لجميع الأمثال المتداولة والتى بالأحرى تحتوي على مغالاطات كثيرة وقدر كبير من المبالغة والتهويل في كثير من الأحيان وكأنها تصبح مع مرور الوقت أشبه بالقوانين التى تنظم المجتمع، كأن يقول أحدهم عند فقدان شىء أو نسيان شىء ما فيقول “مصيبة” هنا يفهم العقل أنه يجب أن يتوتر وأن يعكر مزاجة طوال اليوم فقط لانه أقنع العقل بأن هناك شىء خاطىء وأنه بإعتقاده عند النسيان بأن هناك كارثة ستحصل. فالأمثال الشعبية يتم تصديقها من قبل الأفراد بسب تداولها بشكل متكرر ويتم اقناع العقل بها بشكل غير واعي والتعامل معها على أنها صحيحة وهي بمثابة القانون الغير مكتوب، لذلك أصبحنا نسمع كثيرا عن طريقة تغير التفكير و التفكير الإيجابي وكيف من الممكن إستخدام الأمثال الشعبية بشكل إيجابي وتغير مسار المثل نحو الإتجاه الإيجابي خلال تداولها بأحديثنا مما يكون له أثر طيب علينا وعلى من حولنا وتدعو للتفاؤل والمحبة بين الناس ونشر السلام بين أفراد المجتمع.

الأمثال في عصرنا الحالي

في عصرنا الحالي بدأت الأمثال الشعبية بالأختفاء، ونلاحط أيضا “أنها أصبحت في عداد المفقودات، ويرجح سبب إختفاء الأمثال الشعبية هو إختفاء العادات والتقاليد وإختفاء تواصل الشباب مع الأجداد، وأيضا لنيتجة التطور الحاصل في التكنولوجيا ووسائل التواصل التي أدت الى إختفاء الأمثال الشعبية، ولكن في المقابل ظهر ما هو مقابل للأمثال الشعبية وما هو متداول بين الشباب وحل مكان المثل الشعبي وهي مصطلحات تواكب متطلبات العصر، مما سمح بتغير بعض العادات والتقاليد المتعارف عليها وحتى بعض الأفكار الخاطئة أو السلبية.

لكن يبقى في معتقد الكثيرين بأن المثل الشعبي هو المسيطر ولا يحتمل الخطىء وهو نتيجة خبرة وعطاء الحكماء والأجداد، لذلك علينا التعامل مع الأمثال الشعبية بحيادية أكثر وخاصة في وقتنا الحالي مع ما يتماشى مع عصرنا بسب إختلاف العادات والتقاليد، فأصبح هناك عادات وتقاليد جديدة. قد يرى البعض أن الأمثال الشعبية فيها تناقضات ولا تتفق مع بعضها البعض، فهذا ليس لأن الفكر الشعبي متناقض ولكن هي نتيجة خبرات متناقضة. سوف تبقى الأمثال خلاصـة فكر الشعب وخزانة حكمته، ووظيفة الأمثال هي تسجيل خبرات الشعب والحفاظ على القيمه الإيجابية للأمثال الشعبية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم إلغاء تأثير الأمثال الشعبية على المجتمع، لكن يمكن أن يتم توعية وترشيد إستخدامها والإستفادة منها، والعمل على تقليل أثارها السلبية على المجتمع. يجب أن نكون على درايه أن بعض الأمثال تكون متناقضة مع قوانين المجتمع و لذا علينا اختيار الأمثال بدقة.

أحمد أبو حميد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *