قراءة في كتاب الأنماط الثقافية للعنف للكاتبة باربرا ويتمر
فكرت كثيرا في كتابة تعريف بسيط عن هذه الكاتبة من هي؟ وماذا درست؟ ومن أي جامعة عريقة تخرجت؟ وأي حياة قد عاشت؟ لكنني وجدت التصدير الذي كتبته هي في بداية كتابها آسرا جدا فأثرته على طرق التعريف العادية إلى جانب هذا فإنه يرتبط إرتباط وثيق بقضية العنف…
تقول الكاتبة عن نفسها: تنبع دراستي التالية للعنف من وجهة نظر التاريخ الثقافي والفهم الثقافي وترابطهما في الثقافة الغربية من ناحية إهتمامي بالجماعة الإنسانية، والقيم الثقافية، وجمال الحياة وترابطها. لقد ترعرت في إحدى المزارع وأدركت الإعتماد الإنساني على الطبيعة، وضعف الإنسان وسط تقلباتها. كما أدركت كيف أن تعاقب الفصول يتجلى في دورات النمو من غرس ورعاية وجني، ثم راحة، ومن تزاوج وولادة ونمو، ثم موت، ومن إمضاء وقت طويل وهادئ في تدجين الحيوانات والشعور بالأمان معها والثقة بها. أدركت أيضا، كيف أن هذه الدورات تتعزز بقصص مقدسة تدور حول ترابط حياة الأمريكين الأصليين الذين كانو جيراننا، إن العنف يقوض تواصل الحياة، لقد خبرته في المدرسة فوق المحمية الأمريكية الأصلية. هناك إنتحرت بعض صديقاتي أو تعرضن للضرب وسقطن على سكك الحديد وهن فاقدات الوعي، ثم بقين جثثا مقطعة الأوصال! ولعل أغلبنا عايش طوال فترات حياته قصص العنف متعرضا لها أو شاهدا عليها كما هو حال الكاتبة وتسرد الكاتبة في كتابها قصة أو قضية العنف في الغرب خصوصا العنف الواقع على المرأة. ولكن ما أدهشني أن بعض أنماط العنف ضد المرأة تحديدا السائدة لديهم تشبه كثيرا تلك السائدة في بلداننا العربية!
وإذا ما إنتقلنا إلى صفحات المقدمة نجد الكاتبة تفاجئنا بتعريف ضخم مليئ بالمصطلحات المعقدة للعنف وهي تعرف العنف على أنه خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد أو جماعة ضد أخرى تشتمل أنماط العنف على أسطورة البطل وديناميكية إستغلال القاتل/الضحية، وثنائية العقل/الجسد، وأسطورة الكوبري وأسطورة الفردية التنافسية، ونظرية العنف الفطري، وأسطورة العدوان الذكوري، والمجمع الصناعي العسكري، والحتمية التكنولوجية، (خاصة التكنولوجيا المدمرة) وإخضاع النساء وأسطورة تفوق العقلانية على العاطفة والإبداع واسطورة نخبوية الجنس البشري. كما تتضمن أنماط العنف تلك الآثار المبعثرة للصدمة في الخيال الثقافي الغربي. سنتناول في هذه المقالة بعضا من المصطلحات الواردة في التعريف محاولين فهمها وتفسيرها والإشارة إليها على أرض الواقع.
تشرح ويتمر في البداية أن البشر مؤمنون بفطرية العنف وعدم تمييزهم الفرق بين الغضب كعاطفة أو شعور وبين العنف كسلوك، ونتيجة لذلك ساوى البشر بينهما وإعتبرو الغضب عنفا والعنف هو الأداة أو الطريقة المنطقية والمشروعة للتعبير عن الغضب المصنف على أنه عنف أساسا، إذا ما قابلنا وجهة النظر هذه بالواقع فسنجدها واقعية جدا، فالسواد الأعظم لا يفرق بين ردة فعله تعبيرا أو تصريحا عن غضبه وعن تفريغ الطاقة الناتجة عنها من خلال سلوكيات عنيفة ينتج عنها إيذاء النفس أو الآخرين أو كلاهما.
لنبدأ من أسطورة البطل فما هي هذه الأسطورة؟
حسب فهمي لهذه الأسطورة وجدت أنه نحن من نمجد الذكورية ونصنع البطل الذي لا يملك مقومات البطولة ونصبح كالعبدة له نرجو رضاه عنا ونخشى غضبه منا ومن باب الإنصاف أرى أن المرأة ساعدت الرجل على تمجيده وتمجيد ذكوريته والخضوع لها عندما قررت منحه حق التسلط عليها أو حتى إذلالها وسعد الرجل بتعاون المرأة معه لإستغلالها بكافة الأشكال.
وأرى أن هذه الأسطورة ترتبط بنظرية العنف الفطرية وتُصرح ويتمر عن حقيقة أنماط العنف وإرتباطها بالجماعة قائلة: (تُعبر أنماط العنف عن العلاقة بين الإنسان والجماعة بطريقة معينة) هذا التصريح يناقض ظاهريا نظرية العنف الفطري فًكلامها يعني أن العنف مكتسب ولا يرتبط بنظرية العنف الفطري ولكنها توضح مكملة أن جوهرها هو الإعتقاد القائل إن الأفراد عنيفون بفطرتهم، ومن هنا تتطلب السطيرة عليهم وجود بُنى جماعة خارجية، بعدها يصبح النظام الثقافي قادرا على تشريع العنف وعقلنته وإستخدامه ضد (الناس العنيفين)كأداة سيطرة إجتماعية وهكذا يصبح النظام الثقافي بنية (إستخدام للعنف من أجل منع العنف) تعزز ذاتها وتديمها، وبإسم البقاء الثقافي، تتمكن الثقافة من إدراج العنف والصراع المدمر تحت عنوان الأمن الثقافي وحماية المواطنين من أنفسهم. وجدت نفسي مذهولة من هذا الكلام فالحقيقة هنا صادمة، نحن نقاوم العنف بالعنف! أكبر دليل على هذا هو الطريقة التي نعاقب بها مثلا مخربي الممتلكات العامة بالسجن، نعم بالعنف والإيذاء اللفظي والجسدي وسلب الحرية.
ثنائية العقل/الجسد:
هي نظرية تفترض أن الظواهر العقلية غير مادية في معظم الأحيان، وأن العقل والجسد غير متوائمين، العالم رينيه ديكارت رأى أن العقل غير مادي. لكن كيف يمكن تفسير وربط هذه النظرية بالعنف؟ سأفترض هنا تحليلا يربط بين نظرية ثنائية العقل/الجسد والعنف بطريقة أخرى لقد سألت نفسي لما وضعت ويتمر ثنائية العقل\الجسد كمثال على أنماط العنف؟
لو إفترضنا أن العقل مفصول عن الجسد وأن الجسد هو الجزء المادي والعقل عكس كذلك وأتينا لتفسير ظاهرة العنف وربطها بالإنسان، سيظهر لنا قسمين الأول هو أن العنف فعل مادي محسوس ويمكن رؤيته، بالتالي فهو مربوط بالجسد المادي ومفصول عن العقل غير المادي، بمعنى أن العنف مرتبط ونابع من الجسد وهو المسؤؤل عنه، في تفسير آخر لو ربطنا العنف بالجسد المادي فسنرى أنه منطقي ويشبه سلوك الكائنات الحية الأخرى كالحيوانات، فالحيوانات لها جسد مادي تمارس الإفتراس به والإنسان له جسد مادي يمارس العنف به ولكنه يتنافى مع وجود العقل كون الحيوانات لا تملكه ومع ذلك تمارس العنف، بالتالي العنف لا يرتبط بالعقل!
تبدو السلمية الخيار الأقل كلفة والأكثر عائدا للإنسانية، ألا ترى أن العنف مكلف حقا؟ جسديا (ألم جسدي/خسائر بشرية) ماديا (كلف الأدوية والعلاجات الناتجة عن الإصابات/تصليح أو تجديد الممتلكات التي قد يستلهكها/يدمرها السلوك العنيف) نفسيا ومعنويا قيميا أيضا، بيد أن السلمية لها عائد كبير من الفوائد على البشرية إنها تعني الحفاظ على الأرواح والممتلكات والكرامة الإنسانية إضافة إلى منظومة القيم. للخروج من دائرة العنف علينا تغيير القوانين والمناهج والطرق والإستراتيجات والمعتقدات والسلوكيات إتجاه كل ما يمت للعنف بصلة وإستبدالها بالطرق السلمية نفسيا، جسديا، وثقافيا وإجتماعيا وقيميا، الخروج من دائرة العنف أو السعي للقضاء عليه كليا ليس سهلا مطلقا ولكنه في نفس الوقت ممكنا جدا.
نور هاني