الإسلام هو الشامل الكامل لمفهوم السلام. أصبحنا في عصر يصعب أن نذكر السلام في الإسلام، حاول أن تسأل أحد الأصدقاء أو الأقارب عن السلام في الإسلام وانتظر الإجابة، نادراً ما تسمع إجابة وإذا وجد فهل هي مُرضية؟ وهذا للأسف قد يكون جهلاً من قِبل المسلمين و عدم معرفةٍ من الذين يحيطونهم، و هذا يساعده الإعلام بكافة أنواعه و منتجاته في تشويه و تغيير المعاني والمفردات والأفكار المخالفة للحقيقة والمصداقية. كمثال: يقول أ.د. راغب السرجاني في كتابه (شهد شاهد من أهلها): “لقد كنتُ أُلقي محاضرة في اليابان عن تاريخ الحضارة الإسلامية وشهادة المُنصفين من العلماء الغربيين بذلك، وكان يحضرها عدد من اليابانيين وأحد أفراد السفارة الأمريكية في اليابان، وبعد المحاضرة فوجئت بذلك الدبلوماسي الأمريكي يتقدَّم مني ويصافحني قائلًا: بالنيابة عن الشعب الأمريكي أعتذر لكم عما فعلته الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي؛ فنحن ضحية للإعلام الأمريكي الذي صوَّر لنا المسلمين كمتوحشين…”
فدعني آخذك و أُعرفك على بعض الأشياء التي نذكرها و نتداولها بكثرة و يتخللها سلامٌ كثير:
أولأ: إن لفظ (الإسلام) مأخوذٌ من كلمة السلم والسلام، لأن السلام والإسلام يلتقيان في توفير الطمأنينة والأمن والسكينة كما قال تعالى: «الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ».
ثانياً: الله رَبُ كل الأديان: السلام هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى في قوله تعالى: «هُوَ اللـه الّذِي لاَ إِلـه إِلاّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدّوسُ السّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبّرُ سُبْحَانَ اللـه عَمّا يُشْرِكُونَ» ومعناه المختصر (الذي سلم من العيوب والنقائض لكماله وكمال صفاته و أفعاله، وهو الذي يؤمِّن الخلائق ويسلّمهم)، الله هو صاحب السلام و هو الذي يملكه، وهو الذي أحياه في جنّته بقوله: «لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، هو الذي أنزل شرائعه إلى رُسُلهِ لِيُحيي السلام في الأرض لأن اللـه عز وجل خالق السلم والسلام، ويضمن ذلك للناس بما شرعه من مبادئ، وبما رسمه من خطط ومناهج، وبمن بعثهم من أنبياء، وبما أنزلـه من كتب، فهو تعالى مصدر السلم والسلام، والخير والفضيلة.
ثالثاً: كتاب الله القرآن: وردت كلمة (السلام) في القرآن الكريم في كثير من المواضع وبمعانٍ سبعٍ مختلفة، وهي: (اسم من أسماء الله) و(الإسلام) و(التحية المعروفة) و(السلامة من الشر) و(الثناء (الحسن) و(الخير) و(نقاء الشيء من كل شائبة).
رابعاً: رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: و هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، رسولٌ بعثه الله ليوصل رسالة الله إلى عباده، فاختاره ليكون رجل السلام حامل رسالة الإسلام، هو الذي عُرِف بـ(ـالصادق الأمين) لصدقه و أمانته، فنزلت شريعة الله عليه فـبدأ بدعوة الناس لهذا الدين وإليها، فبدأ بالدعوة سراً بين أهله و أصحابه ثم بين أقاربه و أهل قريته، وعندما آمن به بعض المقربين أعلن دعوته للناس جميعاً، فحُورب من قبل الكثير من الناس لرفضهم تقبل رسالته و أستمراره في دعوتهم لدين جديد لم يروا آبائهم يتّبعونه، فعملوا على أذيته و ذله و الإساءة له ولمن حوله من المقربين، فقد أساؤوا و عذبوا و قتّلوا و أخرجوا بعض من أسلم من ديارهم و أوطانهم لأنهم اتبعوه و آمنوا به، وهكذا كان تعاملهم معه بالرغم من أنه قريبهم وصديقهم وأصدقهم أمنهم، فما حاربهم بل كان يدعوا لهم و يسامحهم، كالذي حدث مع أهل الطائف (حيث بدأ صلى الله عليه وسلم بدعوتهم بتعّريفهم بالإسلام ودعوتهم إلى عبادة الله وحده، لكنّ ردّهم عليه كان قاسياً جداً، فحاولوا اخراجه من بلادهم، ولم يكتفوا بهذا الأمر فحسب، بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم فتَبِعوه يسبّونه ويستهزئون منه ويرمونه بالحجارة، فأُصيب -عليه الصلاة والسلام- في قدميه حتى سالت منها الدماء، وأصابه الهم والحزن والتعب، ما جعله يسقط على وجهه الشريف، ولم يُفِق إلا و جبريل قائمٌ عنده يُخبره بأنّ الله بعث ملك الجبال برسالةٍ يقول فيها: “إن شئت يا محمد أن أُطبق عليهم الأخشبين” [أي الجبلين، لأن مدينة الطائف كانت تقع بين جبلين]، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلاً: “بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يُشرِكُ بهِ شيئا”).
أو كالذي حدث مع أهلِ مكة عندما عاد فاتحاً لها و حاكماً عليها (فقد كان عفو الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم العظيم عفواً جميلاً يليق به، وقد قال جملته الشهيرة في هذا الوقت لكل من أذاه هو وأصحابه “ماذا تظنّون أنّي فاعل بكم ؟” قالو: خيراً، أخٍ كريم، وابنِ أخٍ كريم، فقال لهم: أقول لكم كما قال أخي يوسف: ” قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ“، اذهبوا فأنتم الطلقاء)، و الكثير من المواقف التي عُرّض لها بإسائة وقابلها بالتسامح والعفو و الإحسان، فكيف لهذا الرجل أن لا يكون رجل السلام؟! وقال الله تعالى له: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
أخيراً: الإسلام عامة: هو الذي يذكر السلام بعمومه و خصوصه و صفاته وأشخاصه، فهو مربوط باسم الإسلام و باسمٍ من أسماء الله و صفة من صفات الله و بالكثير من المعاني في القرآن و بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن سبقه من الأنبياء، و بالكثير من التفاصيل والصفات والأفعال المنسوبة إلى السلام، ومثالٌ عليها تحية الإسلام وهي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فهي دعوة للسلام و الرحمة من الله.
بعد هذه النقاط الأربعة كيف لا يكون، وهو الذي أنزله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهو الذي أُرسِل ليساوي بين الناس وليعطي كل ذي حقٍّ حقّه، كيف لا يكون وهو آخر الشرائع السماوية الموجودة على الأرض، وهي الشريعة المحفوظة بالقرآن والتي لم تشوّه أو تغيّر أو تُحرّف، كيف لا تكون وهي الشاملة الكاملة الصالحة لكل الناس و الشعوب والأوقات والعصور، إنها شريعة من الله مرسلة بكتابه إلى رسوله لينشر السلام على الأرض…
السلام والإسلام وجهانِ لعملةٍ واحدة، مترادفتان لا تنفصلان، وبينهما كثيرٌ من المتطابقات التي لا يتّسع لها مقالٌ ولا عشرة، وبعد هذا… أظنّ أنّك أصبحت تعلم ألآن أن السلام موثوق بالإسلام وثاقاً غليظاً يصعب فصله ككلمات أو كأسماء أو كصفات أو كأفعال، فإذا سُئلت يوماً عن الذي يربطهما فيمكنك أن تُجيب من أي بابٍ أردت، إن كان من باب (الإسلام و ربطه بالسلام لغةً أو صطلاحاً) أو باب (الله وهو مصدر السلام) أو (القرآن وفيه الكثير من معاني السلام) وربما من باب (محمد رسول الله رجل السلام و حامل رسالة السلام).
لا تقف في نهاية هذا المقال ناسياً ما قرأت، اذهب و ابحث عن كل الترابطات المشتركة بين السلام والإسلام، فهذان المصطلحان أكبر من ان يحتويهما هذا المقال… و (السلام)
يوسف جمال سميك