لا تأخذ الإنطباع الأول على محمل الجد
نعايش يوميا مواقف عديدة ومختلفة ولدى مقابلاتنا للأشخاص لأول مرة تجول ببالنا أفكار عنهم كما تجول ببالهم أفكار عنا وهذا ما يسمى بالإنطباع الأول وهنا سنجيب على عدة أسئلة وهي: ما هو الانطباع الأول؟ وكيف يتشكل؟ هل هو وواقعي ومنصف؟ هل يمكننا التصرف بناءا عليه؟ هل يؤثر على علاقاتنا فيما بعد؟ وهل نستطيع تغيره في عقولنا؟ هل هو مرتبط بعملية إصدار الاحكام؟
الإنطباع الأول: هو ما يحدث عندما يقابل شخص شخصا آخر، ويكون صورة ذهنية له، ويصعب تغيره عادة، أي أن له ثأثيرا كبيرا على العلاقة. أثبتت معظم الدراسات أن الإنطباع الأول يتشكل خلال 30 ثانية إلى 3 دقائق وهذا ما يجعله قاسيا فمن الظلم الإحتفاظ بإنطباع لا تتجاوز مدته ال 3 دقائق وإختزال شخصية انسان له روحه وكيانه في موقف غالبا ما سيكون لا يعبر تعبيرا صحيحا وكاملا عن الشخص، غير أن المواقف التي نأخذ فيها إنطباعا أولا تتأثر بالظروف الشخصية والظروف المحيطة أيضا.
كيف يتشكل الإنطباع الأول؟
إن عملية تشكيل الإنطباع الأول تختلف من شخص لآخر ولا يمكن تحديدها أو تقييدها ببعض الخطوات فكل شخص ينظر إلى العالم وإلى الأشخاص من منظوره الخاص ولا يمكن حصر الأشياء التي قد تلفت نظر الآخرين فينا فمنهم من قد يحكم علينا بأننا لا مبالين لوصولنا متأخرين بضعة دقائق عن الموعد ولكن الحقيقة هي وجود أزمة مرور وليس للصفات الشخصية دخل في هذا… وقد نوصف بالجديين أو السلبيين لعدم تفاعلنا مع أمر مضحك في حين تفاعل الجميع، الحقيقة مختلفة تماما هذا الشخص الذي تم إصدار حكم الجدية عليه وصلته رسالة عكرت صفوه وأصبح من الصعب عليه مجاملة الناس في هذه اللحظات. والبعض الآخر يبني إنطباعه الاول إستنادا لأصولنا العرقية وما يحمله هو من إتجاهات ومشاعر حيالها. البعض يهتم بالشكل والبعض بالأسلوب والحضور الخاص بنا والعديد أيضا من الأمور التي تمكنهم من إصدار احكامهم حسب ما يعتقدون.
هل الإنطباع الأول واقعي و منصف ؟وهل يمكننا التصرف بناءا عليه؟
في المواقف البسيطة السالف ذكرها نجد أن عملية الأخذ بالإنطباع الأول والتي تتضمن عملية إصدار لأحكام، غير واقعية ولا منصفة فالبشر يتأثرون بالمواقف والظروف، ولا يمكن أخذ الإنطباع الأول على محمل الجد والتصرف بناءا عليه وتحديد شكل ومصير علاقتنا مع الآخرين من خلاله.
هل يؤثر على علاقتنا فيما بعد؟
إنه يؤثر على مستقبل علاقاتنا بشكل كبير ولأننا تبعا له نقوم بتصرفات وسلوكيات لنصل بالعلاقة إلى المكان الذي تخيلناه لها سلفا بناءا على هذا الإنطباع. إن ادركنا لعدم كفاية أو صحة ودقة الانطباع الأول تجعلنا نتجه لتغيره والسؤال هنا: هل نستطيع حقا تغيره في عقولنا؟ الإجابة هي أننا نستطيع اذا أصبحنا أكثر وعيا بهذا الأمر، إذا منعنا أنفسنا من تبنيه، وأوقفنا عملية إصدار الاحكام المسبقة المجحفة بحق الآخرين إن جاز التعبير.
هل هو مرتبط بعملية إصدار الأحكام؟
إن الإعتياد على إصدار الأحكام المسبقة تجعل عملية الإيمان بالإنطباع الأول محتومة وتجعل إمكانية تغيره صعبة أكثر. إن عملية إصدار الأحكام عملية مجحفة بحق الآخرين إضافة إلى أنها متسرعة ونحن نمارسها بطريقة تلقائية و بإستمرار لأن أدمغتنا إعتادت وإستساغت هذا الأمر لسهولته حيث يحمل عنا عبء التحليل و التفكير لكل موقف على حدى، دون وعي منا بخطورة وسلبية ذلك، نحن نصدر الأحكام بناء على خبراتنا السابقة والمشاهدات الحالية حيث نسقط خبراتنا السابقة والحكم الموجود عليها أصلا على الموقف أو المشاهدة الحالية، وهنا يتضح لنا إن أمعنا التفكير أمرا أسواء من إصدار الأحكام السابقة والإعتقاد بالإنطباع الأول، آلا وهو أن الحكم أصلا على الآخرين مرتبط بنا وبتجاربنا وخبراتنا السابقة ولا علاقة له بالآخرين، أي أنه أكثر صلة بنا وأقل تعبيرا عنهم في معظم الأحيان.
إن منح المجتمع الثقة للإنطباع الأول تجعل بعض أفراده منعزلين، خائفين من ترك إنطباعات سلبية لدى الآخرين، إلى أن تبدأ مشاكل الوحدة وقلة الثقة بالنفس وهذا ما سيعود على المجتمع بالنتيجة بالمزيد من المشكلات. لا زلت أومن بشدة أن أقل التفاصيل تؤثر على حياتنا بشكل كبير جدا، فمن منا كان يعتقد أن عادة إصداره لحكم مسبق على الاشخاص أو تبني آرائه الأولى، مرتبطة بماضيه وخبراته السابقة، وتتدخل فيها طريقة تفكيرنا ونظرتنا للأمور في الوقت الحاضر، وستحدد شكل الامور مستقبلا!
بنفس الوقت أنا لا أحيد المشاعر التي قد يشعر بها شخص مثل إنقباض قلبه في موقف معين، أو ريبته من شخص، أو شعوره بأي مشاعر سلبية أو حتى إيجابية مثل المحبة والثقة بالآخرين سريعا، ولكنني أدعو إلى تحكيم العقل والتريث قبل إصدار الأحكام وبهذا نحن نحمي أنفسنا من أضرار التسرع بالحكم على الآخرين، ونمنحهم فرصة التعبير عن أنفسهم. كما أنني لا أحيد قدرة العقل على تحليل الشخص بشكل مباشر، فالكثير منا يملك القدرة على التخمين الجيد لما يضمره الآخرين ولكن هذا كله يحتاج لتأكيد عملي وهذا لا يتأتى إلا من خلال المخالطة والمعاشرة.
دعت الديانة الإسلامية إلى حسن الظن بالناس ما يمكن ترجمته بعدم إصدار أحكام سلبية إتجاه الآخرين ودعت لتجنب الغيبة والنميمة والتي عادة ما تكون من أسباب تشكيل إنطباعات سيئة عن الآخرين وأحيانا قبل لقائهم ومعاشرتهم، لأن سرائر الناس ودواخلهم لا يعلمها إلا الله قال تعالى في كتابه الكريم: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ” (12) سورة الحجرات.
وفي سنة النبي محمد عليه أفضل صلاة وأتم تسليم جاء في الحديث النبوي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا.
كما جاء في الديانة المسيحية النهي عن إساءة الظن، لما فيها من إضعاف لروابط المحبة بين الناس في المجتمع الواحد، كما وبخت الديانة المسيحية من يدعون علم الفراسة لما فيها من ظلم للأشخاص وحثهم على أهمية نقاء الداخل أولا ثم الخارج، فالشكل الخارجي لا يمكن أن يكون معيار للحكم على الناس. من النضج عدم إصدار الأحكام على الآخرين، والصبر لكشف حقيقة الأشياء والأمور ورؤيتها بالكامل قبل تقيمها، من الحب أيضا منح الأعذار للآخرين فلا أحد يعلم ما يعايشه الآخرين.
نور هاني